ويستمر الوباء في اجتياحه ، متخللاً نبض الحياة ، ومُخِلّاً بتوازن إيقاعها ، وهو يُصرّ على أن يسلُب الإنسانية ما كانت تتكئ عليه في زمن المادة والرقم ، ووتفيأ ظلّه من لظى الحروب ، ووخز الجوع ، وألم القهر ، فأصبح التباعد أسلوب حياة ، والتوجس من الآخر عنواناً ، وتسلل الجفاف إلى نبع العلاقات ، التي اعترتها حُمّى الخوف من حاضر مضطرب ، ومستقبل مجهول .
ولكننا نبقى محكومين بالأمل ، ذلك الشعور اللذيذ الذي يبدو كالنور في آخر النفق المظلم ، وكالزهرة بين شقوق الصخر ، وكقطرة الندى على ورق الصبّار في صحراء قاحلة ، فالفيروس اللعين وإن تمكن من كثير من ملامح الحياة ، لكنه عاجز تماماً أمام الحُبِّ والفرح والجمال ، فلطالما بقيت تلك الأسرار محروسة بالإيمان وذلك الإصرار العجيب على البقاء ، وهكذا فإنّ الأزمة كشفت أنّ الإنسان لا زال يُخفي في جوهره كنوزاً من القيم ، ذلك الجوهر الذي يتنفس إرادة ، وحبّاً للحياة ، ورغبة في العطاء والتواصل .
وكما كان النغم نبضاً أطلّ من بين حطام الإغلاق ، والحظر، والتباعد في المهرجان الأوبيرالي على المسرح الافتراضي الإلكتروني في أيلول الماضي ، فإنّ مهرجان لون . كلمة . نغم السياحي الدولي يهمس شعراً في روح الإنسانية المُثقلة بأنين الحزن ووجع الفقدان ، لتتصدر البحور والتفعيلات مشهد الأمل ، وترفع أعمدة الشعر منسوب السعادة ، وكأن أسواق عُكاظ وذي المِجنّة والمجاز ؛ بُعِثت بعد موت أصم ، وأزهر ربيعها حروفاً وكلمات ، وهي تسافر قادمة عبر تاريخ قديم ، وتمثُل بفخامة على المسرح الإلكتروني ، مُعلِنة أنّ الشعر مخلوق من موسيقى وإحساس ، وأنه ديوان خالد لسرّ روعة الإنسان وتفرده في الكون .
نُخبة من الشاعرات والشعراء وفي حالة مليئة بعبق الفروسية ، ورائحة البطولة ، يقفون في وجه الوباء ، ويتصدون للؤمه البغيض بأوزان شعرهم ، وفكرهم الخلّاق ، وقرائحهم تجود بأبيات من الإحساس الصادق عشقاً ، وحنيناً ، وأملاً ، وألماً ، وتجول أصواتهم بوقع الكلمات أرجاء الحيّز الافتراضي ، وهي تنتصر على بُعد المسافات ، واستحالة اللقاء ، وتصرخ في وجه الفيروس ، مؤكدة خيارها بأنّ المستحيل لن يكون المنتصر في معركة البقاء ، وأن الحُكم بالأمل كان قطعياً لا يقبل الطعن .
وإلى أن تزول غمامة الأزمة ، وتعود الحياة إلى وقعها الغائب ، فإنّ مهرجان كلمة . لون . نغم في دورته السابعة بإدارة وإشراف من المبدع الشاعر الأستاذ فادي شاهين ؛ يُطلق مهرجانه الشعري " همس الروح " إلكترونياً ، في يوم الجمعة 4/ 12 / 2020 .م الساعة الثامنة مساء ، بمشاركة عدد من الشعراء ، في تظاهرة شعرية كأنها لوحة من الألوان ، أو معزوفة من أساطير الجمال ، فلنقلع بذائقتنا العطشى ، ونسافر بين عوالم الشعر العجيبة ، ولنتخذ فسحة من الواقع المُثقل في ظلال عناقيد من الشعر المنظوم ، ولنطلق لأرواحنا عنان الفرح ومداعبة الجمال الساكن بين الحروف والكلمات .