في نهاية العام 2019 وفي مثل هذا اليوم، أطلق الأردن مشروعه الجديد لدمج مديريتي الدرك والدفاع المدني في مديرية الأمن العام، وهو المشروع الذي جاء في سياق توجيهات ملكية حكيمة، للنهوض بمؤسستنا الأمنية العريقة، التي بناها الأردنيون قبل 100 عام بدأت منذ تأسيس الدولة الأردنية الفتية في عزمها العميقة في جذورها وموروثها الثقافي الأصيل.
وهي تجربة لنا أن نقف عليها اليوم، مستطلعين أثرها الأمني الهادف لرفع سوية العمل الأمني والتنسيق، وأثرها التنظيمي الساعي لتجويد الخدمة الأمنية المقدمة للمواطنين، ووضعها في قالب حديث يواكب المتغيرات، ويلبي الضرورات والاحتياجات، ويقود حكماً إلى ترشيد الموارد والنفقات.
فهل فعلها الأمن العام؟
الإجابة تكمن في حجم الجهد الواضح والمبذول، تثبته الأرقام المعلن عنها، وتظهره المشاهدات اليومية المحفوظة في خواطرنا وتوثقها الأخبار والبيانات، والمواد الإعلامية، ونلحظها في سلوك مجرمين باتوا اليوم خلف القضبان بعد أن أوهموا المجتمع سابقاً أنهم يجيدون فن الإفلات من القانون، حتى وجدوا أنفسهم تحت وطأة العدالة والأمن القوي، والكل تحتهما سواء، بلا مواقع أو امتيازات أو أسماء.
وها هو الدفاع المدني يعمل كخلية نحل في الإسعاف والإنقاذ والإطفاء، والدرك يتنقل بين الواجبات برشاقة واحتراف، والنجدة والسير والدوريات باتت أكثر معنوية مجهزة باللباس والمعدات والآليات، والترخيص وشقيقاتها من الإدارات المتخصصة صنعت من الإنجاز وقطف الجوائز علامة مسجلة، أما البحث الجنائي والأمن الوقائي ومكافحة المخدرات فحدث ولا حرج عن إسقاط رؤوس المجرمين، بينما رجال الأمن في المحافظات يكاد الدم يقفز من عروقهم نشاطاً وتجديداً ينعش الأوصال.
أما الشق الإداري من المعادلة الذي يُبنى عليه أي نجاح، فالمؤشرات واعدة، والإجابة واضحة، رغم عام بدا كأنه الأطول من بين الأعوام وسبب انتكاسة لكثير من القطاعات، بينما نجد الأمن العام يحقق أهدافه بنجاح، وشعور من الرضا يسود بين العاملين في الوحدات والتشكيلات التي باتت في جاهزية عالية، تبذل جهوداً مضاعفة ضمن بيئة عمل مثالية توافرت لها كل أسباب النجاح.
نعم هو عام فاض بأحداث لو جاء نصفها في عام آخر لقلنا عنه عاماً حافلاً بالمفاجآت، عام شهد إطلاق حملات وحملات، وحماية وتأمين سير انتخابات، والتصدي لوباء فاق التوقعات، عام عمل فيه الأمن العام على توظيف الطاقات وتوجيهها، وارتكز على التقليل من النفقات، ولما لا؟ فالإدارات واحدة ، وصيانة الآليات واحدة، وإدارة الأبنية واحدة، وهكذا الكل يعمل ضمن استراتيجية واقعية وخططاً تنفيذية تحرص على الانسيابية في المعلومات والعمليات، والتشارك والتكامل في الشأن الإداري الذي كان سببا في حل الكثير من المشاكل والمعيقات، وسبباً في تجاوز الكثير من النفقات.
وها هنا اليوم نطرق عاماً جديداً، نراجع فيه تجربة خلاقة، لنجد أن أثر التوجيهات الملكية الحكيمة واضح وكبير، ومؤسسة الوطن المعنية بإنفاذ القانون وتقديم واجبات الحماية المدنية تسجل سابقة إدارية وعملياتية لا يشق لها غبار، وستبقى سطورنا شاهدة عليها كتجربة غيرت خارطة العمل الأمني بشكل إيجابي فاعل ومؤثر.
ونقول أخيراً، لا شيء يقترب من الكمال، إنما أقربنا لذلك هو من يدرك الواقع مع استمرار محاولته الوصول إلى المثال، عبر التخطيط والتنفيذ والجد والاجتهاد، وكما قيل وسوف يقال: من جد وجد، ومن زرع حصد، ومن سار على الدرب وصل.