جملةٌ أَعجبَتي في خضَّم قراءتي لكتاب د. عودة صويص الجديد وهي أنَّ "المقدَّس هو الصالح العام". وحديثه هذا كان في إطار مواجهة كلاً من القطاع الخاص والقطاع العام عالمياً لجائحة كورونا.
وللصالح العام قداسة خاصة يجبُ أن يُعبَّر عنها في كلِّ جوانب الحياة. صحيحٌ أنَّ القداسة تنبع من الذات الإلهية، ولكننا نحن كبني البشر مدعوون لحياة القداسة باتباعنا الوصايا والشرائع الإلهية في حبِّنَا لله فوق كل شيء، إذ يجب أن نخاف الله ونحبه فوق كل شيء ونلقي كل اتكالنا عليه، وكذلك يجب علينا أن نحب قريبنا كأنفسنا.
ولربما محبة القريب بالمفهوم الأوسع المجتمعي هي محبة الصالح العام والخير والعام. وفي هذه المحبة يتجلى مفهوم القداسة لأنها السعي الشمولي نحو خدمة مجتمعاتنا والحرص على استقرارها وتقدمها وسلامتها لما لذلك من أهمية في إعلاء شأن كرامة الإنسان وحقوقه وحريته التي أردانا الله أن نتحلى بها ونحافظ عليها.
فإنَّ أخطرَ ما يهدد البشرية هي الروح الفردية وروح الأنانية، فيصار إلى ابتلاع العام لصالح الخاص، وكأن السعادةَ لا تكمنُ إلا بالسعادة الفردية الذاتية الأنانية من غير احتساب لسعادة المجتمع ومصالحه. هذا لا يعني بتاتاً القصور في تحقيق الذات الفردية وتحقيق الملكية الخاصة بالعمل الجاد والمخلص والأمين، ولكن ومع ذلك لا يجب أن يكون ذلك على حساب الصالح العام والخير العام، فعلينا أنَّ نعززَ ثقافة الصالح العام والحرص على الممتلكات العامة تماماً كحرصنا على الممتلكات الخاصة، فالصالح العام لا يجب أن يَقِّل شأناً على سعينا لتحقيق الصالح الخاص.
هذا ما نسمية بالروح الجمعية وليس بالروح الأنانية التي ازادات مع انتشار الرأسمالية المتوحشة التي هدفها فقط تحقيق الربح ولو كان على حساب الآخرين ومصالحهم وسعادتهم.
لربما نحتاجُ نحن اليوم ونحن ندخل المئوية الثانية للدولة الأردنية أنْ نعيدَ مفهومَنا للصالح العام والخير العام، ليكون مفهوم جميع المناصب مفهوم التكليف لا التشريف وأن جميع المناصب يجب أن تصبَّ في خدمة الصالح العام المقدس فوق أي اعتبارات فردية أو شخصية أو منفعية.