وتستمر المسيرة بنفس الحماس والوتيرة رغم الصعوبات والتحديات، وشح الإمكانات، ومحدودية الموارد، وتستمر سفينة الوطن في الإبحار رغم تلاطم الأمواج وشدة الرياح، عام مضى من عمر قائد السفينة ما لانت له قناة وهو يواصل المسيرة، ولا فترت له همة، ولا غمض له جفن، يسير بها بكل عزم وكبرياء، وبخطى ثابتة واثقة، لم يلتفت لصغيرة، ولم ينحني أمام كبيرة، ولم تثنيه ثقيلة.
أعوام مضت من عمر جلالته حمل خلالها من الأمانة ثقلها، وهو يواصل الخطى رغم كثرة المعيقات، وقساوة الظروف، وضبابية الأجواء، وكثرة المشككين والملفقين، لم يصغ خلالها لحاقد، ولم يعترض على ناقد، ولم يأبه لمارق، وهو يواصل المسيرة شامخا صامدا بكل قوة وثبات.
عام مضى من عمر القائد الأعلى وحوله يلتف شعبه ومحبّوه ولاء واخلاصا، تجرّع خلاله مرارة بعض الأبواق الحاقدة، التي أذكتها نار الحسد، شيمته الصبر والتواضع وحسن الخلق، يسير على خطى الهاشميين الأخيار في أخلاقهم وقيمهم الأصيلة، ومواقفهم النبيلة، مترفعا عن صغائر الأمور، العفو والصفح من سماته وطبائعه حتى عن اولئك الذين أطالوا بحقه اللسان، وسلقوه بألسنتهم الحداد ليزداد سموا ورفعة، وليزداد هيبة واحتراما.
في يوم ميلاده يستذكر الاردنيون ومعهم أحرار العرب كم تعرض الأردن للمؤامرات ومحاولات تشويه سمعته والنيل من مكانته ودوره، وكم تعرض لتحديات هددت وجوده، ورغم ذلك بقي الأردن بقيادته قويا عزيزا صلبا، صابرا صامدا، والأشم كالطود العظيم، مستوعبا بحنكة وحكمة القيادة الرياح العاتية التي عصفت بالمنطقة، والظروف القاسية من حوله، حتى صار الأردن بفضل قيادته والمخلصين من أبنائه، وتضحيات شهدائه الأبرار مثلا في الأمن، وملاذا وبيئة جاذبة للباحثين عن الاستقرار، والعيش الهادئ، وموئلا للتعايش السلمي، والتسامح الديني.
لم يكن الأردن في عهد الملك المعزز مجرد رقم على خريطة العالم، لا بل استمر في دوره المحوري في المنطقة، ولاعبا أساسيا في منظومة أمنها واستقرارها، لا يمكن تجاهله، أو التقليل من أهميته، وبقيت رايته خفاقة في سماء الإقليم تزهو بالفخر والاعتزاز، عربي الانتماء وقومي الهوى والهوية، وفي طليعة المدافعين عن قضايا الأمة العربية في المحافل الدولية، والحضن الدافئ لكل الأشقاء الذين استضافهم من الخوف والصراعات، واليد التي تلملم جراحهم، وتمسح دموعهم، وتزرع فيهم الأمل بالعودة والخلاص، والأمل بأن القادم أفضل.
ذكرى ميلاد القائد الأعلى محطة فارقة وحلقة مهمة في منظومة أمن واستقرار الوطن، نتوقف فيها بعض الوقت قبل أن نواصل المشوار، لنتذكر كيف أصبح الأردن بقياداته الهاشمية على مدى مئة عام من عمره بدبلوماسيته النشطة ووسطيته عاصمة للصمود، ونموذجا في ثبات السياسات، وصلابة المواقف، وحفظ الحقوق، والمحافظة على الحريات، والمشاركة في صون السلم والأمن الدوليين، فخلال مراحل التأسيس والبناء والتعزيز سطر الهواشم بفخر الأمثلة في التضحية والفداء والتسامح وهم يذودون ويدافعون بالمهج والأرواح عن الأمة وقضاياها القومية العادلة والمصيرية ويعبّرون عن آمالها وطموحاتها.
يتنامى شعورنا بالفخر عند كل محطة مضيئة من محطات حياتنا، وقد لاح لنا في الأفق بارقة من الأمل، في الوقت الذي يصرّ البعض على إفساد الفرح في قلوبنا، وشد العجلة إلى الوراء، من خلال التركيز على أحداث فرعيّة، وبعض جوانب الإخفاق في الأداء، فيشبعونا جلدا، حتى تخور قوانا وتنهار فينا العزائم، وتضعف فينا الهمم، فيتسلل اليأس إلى قلوبنا فيستنزف طاقاتنا، في وقت نحن بأمس الحاجة فيه إلى تقوية العزائم، ورفع المعنويات، ورصّ الصفوف لمواصلة المشوار، والمضي قدما مع القائد الأعلى وصولا إلى غاياتنا النبيلة.
يوم الثلاثين من كانون الأول أحد أهم العناوين البارزة في مسيرة الوطن، يحتفل به الاردنيون بكل فخر واعتزاز، ويبتهلون الى الله جلت قدرته أن يحفظ الأردن من عبث العابثين، وكيد الكائدين، وطمع الطامعين، ليبقى مثلا في التميز والابداع والأصالة والأمن والاستقرار، وحاضنة من حواضن الخير والعطاء، ومنارة للعلم والعمل، وحكاية عز ومجد.
في عيد ميلاده ندعو الله جلت قدرته متضرعين إليه أن يحفظ قائد الوطن من كل سوء، وأن يسدد على طريق الخير خطاه، وأن يديم عليه وولي عهده المحبوب دوام الصحة والعافية، وأن يمد في عمريهما أعواما عديدة ومديدة إنه نعم المولى مجيب الدعاء، وكل عام والوطن وقائده الأعلى بخير وأمان.