تفاقمت المواجهات في الضفة الغربية بعد سلسلة الضربات الفدائية الموجعة في العمق الإسرائيلي من قبل شبان فلسطينيين نفذوا عملياتهم دون ارتباطات فصائلية، ما أدى إلى اهتزاز منظومة الأمن الإسرائيلي في نظر الإسرائيليين الذين أصيبوا بالهلع من جراء ذلك.
وخوفاً من تكرار حدوث عمليات أخرى محتملة أثناء الاحتفالات بعيد الفصح اليهودي الذي يصادف اليوم الجمعة، كان على سلطات الاحتلال قلب الحقائق على الأرض بالقوة، باتجاه ترسيخ الأمن في عموم فلسطين المحتلة من خلال سياسة العصا الغليظة وتنفيذ عمليات اقتحام لمعاقل المقاومة في الضفة الغربية وخاصة في الخليل وجنين ونابلس والقدس المحتلة، وصولاً إلى تهيئة الظروف الملائمة لدخول المتطرفين من المتدينين اليهود إلى باحة المسجد الأقصى وذبح القرابين هناك.. وقد أعلنت منظمة جبل الهيكل حوافز مادية لمن يتمكن من ذبح القرابين أو إدخالها إلى باحات الأقصى أو من يعتقل من قبل سلطات الأمن على خلفية ذلك.
وفي ظل المقاومة المستميتة التي واجهتها قوات الاحتلال الإسرائيلي مع الفلسطينيين؛ أمعنت تلك السلطات في هجماتها الوحشية على الفلسطينيين ووجدت بأنه لا بأس من إطلاق الأكاذيب حول عدد العمليات التي أحبطت في مهدها دون أن تقدم الدليل على ذلك فقط للإيهام بأن إجراءاتها الوحشية فاعلة ورادعة.. رافق ذلك نشاط دبلوماسي إسرائيلي طال دول عربية عديدة، خصوصاً مصر، لكي تمارس بدورها ضغطاً على فصائل المقاومة في قطاع غزة لمنع أي تصعيد. فضلاً عن نشاط آخر باتجاه الأردن للتوصل إلى تفاهمات مسبقة معه وتفادي أزمة دبلوماسية، بالإضافة إلى توجيه الجهود نحو السلطة الفلسطينية وحثها على أخذ دورها في تثبيت خفض مستوى التوتر في القدس المحتلة ومنع التصعيد في مدن الضفة الغربية المحتلة.
ولكن الوقائع على الأرض اثبتت فشل الجهود الإسرائيلية في تحقيق أهدافها..
فالشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس خرجوا في مواجهات دامية مع سلطات الاحتلال بصدور عارية، فيما انبرت المقاومة في الضفة الغربية بالتصدي لقوات الاحتلال في تصعيد لافت، وفي قطاع غزة أعلنت غرفة العمليات المشتركة للفصائل النفير العام، واشتعلت المقاومة الفلسطينية الرقمية في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي (الإعلام الموازي)، أما سلطة أوسلو فحشرت في الزاوية إذْ باتت عاجزة عن دعم الفلسطينيين أو الإعلان عن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال.
وفي رسالة كان من المفترض ان يقرأها قادة أوسلوا جيداً فقد أعلن قائد لواء جنين في جيش الاحتلال أمس الأربعاء، العقيد إريك مويئيل في صحيفة "يسرائيل هيوم"، أن جيش الاحتلال لا يقيم أي وزن لتعريفات تقسيم مناطق السلطة الفلسطينية والضفة الغربية المحتلة، وفق اتفاق أوسلو 1993 بين "أ" و"ب" و"ج"، وأنه يعمل في منطقة جنين من دون أي قيود تذكر على نشاطه.
وأضاف بانهم كانوا قد عزموا على البدء بتنظيف المنطقة في أسرع وقت ممكن قبل حلول شهر رمضان، وأكد من باب ترسيخ ثقة الإسرائيليين بأجهزتهم الأمنية من خلال ترويج الأراجيف، بأنهم "نفذوا أكثر من 150 عملية إحباط، واعتقالات، وعمليات نصب حواجز مفاجئة (طيارة) وأعمال تمشيط عن أسلحة، واقتحامات لقرى ومناطق جديدة بما في ذلك في مخيم جنين".
لقد خطط الإسرائيليون لكل ما يجري في الأراضي المحتلة منذ الشهر الماضي وفق تحذيرات أطلقها قائد فرقة "يهودا والسامرة" في جيش الاحتلال في الضفة الغربية، العميد أفي بلوط، وكشفت عن ذلك القناة الإسرائيلية العامة "كان 11" في منصف مارس الماضي، وتتعلق تلك التحذيرات بتوجيهه تعليمات لجنوده والقادة العسكريين الذين تحت إمرته، للاستعداد لسيناريوهات تصعيد عسكري في الضفة الغربية بدءاً من الأول من إبريل الحالي، بفعل تزامن ذلك مع حلول شهر رمضان، وعيد الفصح اليهودي الذي توافق اليوم الجمعة.
وهذا يفسر تفاقم المواجهات في المشهد الفلسطيني الداخلي على الأرض، فقد صعّد الاحتلال الإسرائيلي، أمس الأول الأربعاء، عدوانه المبيّت على جنين شمال الضفة الغربية، ثم تمدد الاعتداءات لتطول قباطيا وجبع وكفر راعي جنوبي جنين، ومدينة نابلس وبيتا جنوبي نابلس، وقلقيلية وسنجل وصولاً إلى الخليل والخضر جنوبي الضفة الغربية، كما لم تسلم البيرة هي الأخرى من حملة اعتقالات ومداهمات مكثفة.
وواصل الاحتلال تشديد الإغلاق المفروض على جنين وقراها، إلى جانب مواصلة مطاردة والد الشهيد رعد حازم منفذ عملية تل أبيب الخميس الماضي، لاعتقاله، من دون أن يتخذ قراراً رسمياً بَعْد بفرضِ الإغلاق على كامل الضفة الغربية المحتلة بحيث كان من المفروض ان يقرر يوم أمس الخميس واليوم الجمعة بمناسبة عيد الفصح اليهودي.
وكان الجيش الإسرائيلي قد اقتحم يوم امس الخميس ومنذ ساعات الصباح الباكر مدينة نابلس بزعم تأمين أعمال ترميم قبر النبي يوسف في المدينة، مصحوباً بناشطين من المستوطنين في الضفة الغربية، وعلى رأسهم رئيس مجلس مستوطنات السامرة يوسي داغان.
وفي أتون ذلك أبرز الاحتلال أمس عبر وسائل إعلامه وجيشه السيبراني اقتحام المدينة في ساعات النهار وعلى رؤوس الأشهاد، مع بث أوامر قائد القوة المقتحمة لجنوده بحسب رسالته عبر جهاز الاتصال اللاسلكي (الإذاعة الإسرائيلية) وهو يقول بأنهم "يدخلون نابلس ليس كلصوص في ساعات الليل، وإنما كأبناء الملوك ليعيدوا المجد".
وجرت أيضاً مواجهات واشتباكات مسلحة مع الفلسطينيين في المدينة ما أدى إلى استشهاد الشاب الفلسطيني محمد حسن عساف (34 عاماً).
وصباح اليوم الجمعة اقتحمت قوات إسرائيلية باحات المسجد الأقصى لإخراج المصلين المعتكفين من أروقته؛ توطئة لاقتحام المتطرفين اليهود الذين يخططون لتقديم القرابين في عيد الفصح اليهودي الذي يصادف اليوم.
كل ذلك يشير إلى أن التصعيد الإسرائيلي والحرب على جنين والقدس ونابلس كانت مبيّتة بالتوافق مع رؤية الحكومة الأمنية التي ينفذها وزير الأمن الإسرائيلي الحالي بني غانتس والرامية إلى بسط الأمن في الضفة الغربية المزروعة بالمستوطنات، بغية تحقيق عدة اهداف بحجر واحد، وهي:
الأول:- تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية وتمكينها من بسط سيطرتها وحكمها في الضفة الغربية.
الثاني:- إضعاف أي تأثير لفصائل المقاومة، خصوصاً "الجهاد الإسلامي" و"حماس"، مقابل تسهيلات إسرائيلية وتعزيز التعاون الاقتصادي بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال، حتى تتمكن من القيام بدورها المنوط بها كمُخْرَجٍ تنسيقيٍّ أمنيّ وبالتالي قطع الطرق عن فصائل المقاومة.
فعلى مدار الشهر الأخير، كان الاحتلال يعدّ الخطط لحرب شرسة على فصائل المقاومة وضرب تأثير ونفوذ كل من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في الضفة الغربية المحتلة، ومحاولة الضغط على السلطة الفلسطينية لتعزيز سلطتها في مختلف أنحاء الضفة الغربية ولا سيما في جنين شمالي الضفة.
فقد تركزت تقارير الاحتلال الإعلامية على تراجع تأثير السلطة الفلسطينية ونفوذها في شمالي الضفة الغربية، إلى جانب تركيز التقارير الاستخبارية الإسرائيلية الأنظار على القدس المحتلة والمسجد الأقصى وباحاته والتحذير من رد محتمل لفصائل المقاومة إزاء أي تصعيد إسرائيلي محتمل ومن ثم كسر التهدئة في قطاع غزة؛ لذلك فإن منع رد فصائلها على التصعيد في القدس، يبدأ من هنا لتجنب ما حدث في مايو العام الماضي بعد إطلاق فصائل غزة لمعركة "سيف القدس" التي رد عليها الاحتلال بعدوان "حامي الأسوار".
ورغم ذلك فيبدو بأن الاحتلال لا يتعلم من دروس الماضي مستمراً في سياسته الإجرامية العمياء، غافلاً عن حقيقة أن لمدينة جنين ومخيمها ذات الأهمية بالنسبة للمسجد الأقصى، وأن اقتحامها جميعاً يعتبر من الكبائر. وتستمر المقاومة.