تعمقت في الأعوام ( 1991-1996 )، أثناء دراسة الدكتوراة في مجال علم الاجتماع على وجه الخصوص بالإطلاع على موضوع
" القضاء العشائري وممارسته وإجراءاته في الاردن… وذلك كأحد فصول البحث لهذه الدرجة العلمية الموسوم
" بدور الدولة والمجتمع في الحد من الجرائم الواقعة على الأشخاص والممتلكات - دراسة ميدانية "
الى جانب فصلين رئيسيين تضمنتهما الدراسة هما قانون العقوبات الأردني لعام 1960، وتعديلاته تقييماً ونقداً، والضبط الإجتماعي وأهميته في التوازن والسلم الاهلي، وأجريت الدراسة الميدانية على 220 شخصاً من نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل الأردنية الرئيسية الأربعة التي توزعت على جنوب ووسط وشمال المملكة، كعينة للدراسة .
وبناء على ذلك فقد وجدت ملاحظات كثيرة من ضمنها تناقض صارخ بين القانون الرسمي والاجراءات والقضاء العشائري، وهنا لا اريد التطرق للإيجابيات والمبررات لإستمرار القضاء العشائري من عدمه على الرغم من إيقاف العمل به منذ عام 1976
الا إنه لا يزال حاضراً وبقوة على الصعيد الاجتماعي، وتحديداً في الجرائم الواقعة على الأرواح والعرض.
هذا الحضور يبرره خبراء "بطبيعة المجتمع الأردني الذي تعد العشائر مكوناً أساسياً فيه، إلى جانب دعم الدولة لهذه المنظومة العشائرية، باعتبارها مساعدة للدولة على حل المشاكل والحفاظ على الأمن المجتمعي".
يلاحظ اليوم أيضا ان حوادث السير والمرور هي من أكثر القضايا التي يتدخل فيها بعض من نراهم يتصدرون الجاهات ومجالس ودواوين الناس في المدن والقرى وفي كل مكان عند وقوع حادث مروري .
وتأتي تدخلات بعضهم دون دراية ومعرفة بالمسؤوليات الحقيقية للسواقين في مستوى الخطأ وجسامته والذي من الممكن ان يؤدي لوفيات او عاهات او إصابات بليغة، وقد تأتي مساهمات بعض هذه التدخلات والتوسطات بأضرار بالغة على طرف قد لا يكون مذنباً او مخطئاً، ويتحمل مسؤولية لا ذنب له فيها مجرد ارضاء لحكم إجتماعي جائر ومنقوص الأدلة والقرائن .
كما يلاحظ تصدر الجاهات والمجالس بعض الاشخاص الباحثين عن الشهرة والمجد من أقارب الضحايا للحوادث او الجرائم، ويضغطون على أسرهم من أجل تسجيل مواقف إجتماعية وتحقيق مكانة واهمة وزائفة،
وأجزم ان هؤلاء الوجهاء منهم من لا يعرفون ظروف أبناء الضحايا وأسرهم ومستوى حياتهم وقد تبين انهم لم يروهم في حياتهم !!
شاهدنا بالقريب من الايام وقوع حادث على طريق سريع يسمى طريق الميئة من عمان الى الزرقاء مرورا بالقرب من مدينة سحاب، كان واضحاً ان السائق الذي قام بالإلتفاف الخاطئ هو المتسبب بهذا الحادث وقد توفاه ووالده الله تعالى وعليهم رحمته الواسعة…
السائق المشترك بهذا الحادث يسير بسيارته على الاوتستراد وعمليا ً أولوية الطريق له، لكن مسؤوليته في الحادث محدودة بل أقل من مسؤولية السائق الآخر المُتوفى، وقد تكون بعدم الإنتباه او السرعة الزائدة وهذه لها مخالفاتها، ولا تصل الى تحمله سبب الوفاة للضحايا رحمهم الله.
لا اعرف ماهي الظروف التي جعلت هذا السائق مداناً بشكل كامل ؟، إلا عدم معرفة من قبل من يتولون التدخل السريع من بعض الشيوخ والوجهاء العشائريين .
المجتمع والدولة اليوم يجب ان يسود فيهما القانون لحماية حقوق الجميع، وان يتم التنبيه في عدم ترك مجال التقاضي والوساطات بين الناس في مثل الجاهات وغيرها لمن هب ودب، ومشاعاً مستباحاً
وعلى الجهات القضائية والتنفيذية والشرطية تحديداً التدخل في هذا الشأن .
والله الموفق
——
ملاحظة: استفدت كثيرا من كتاب الدكتور محمد أبو حسان، القضاء العشائري في الاردن، والمؤلف من المشهود لهم بالخبرات الواسعة في هذا المجال .