عميد كلية السياحة والفندقة في الجامعة الأردنية فرع العقبة
يعد مفهوم التربية السياحية من المفاهيم الحديثة، وغير المتداولة في الكثير من الكتب والمجلات المتخصصة بالسياحة سواءً على المستوى الرسمي أو المستوى الشعبي، وتأتي أهمية إبراز مفهوم التربية السياحية والبحث في أبعادها من كونها تعد من الركائز الأساسية في تدعيم الأمن القومي الأردني والحفاظ على المواقع الأثرية والتراثية، إضافة إلى ارتباطها بصورة مباشرة في تدعيم التنمية السياحية ونجاحها في الأردن، لذلك يجب العمل على إبراز وتوضيح مفهوم التربية السياحية على كافة المستويات الشعبية والرسمية في الأردن، من خلال تعميق نشر هذا المفهوم في المؤسسات الرسمية والمتمثلة: بالمدارس والجامعات، وتضمين هذا المفهوم في مناهج وزارة التربية والتعليم، أو نشر هذا المفهوم من خلال كافة وسائل الإعلام ومنصاتها الرقمية.
يقصد بعملية التربية السياحية رفع درجة الوعي السياحي في المجتمع الأردني على المستوى الرسمي والشعبي، بهدف المحافظة على الموارد السياحية، وتقبل السياح على اختلاف أديانهم وجنسياتهم، والمحافظة على ديمومة المواقع الأثرية والتراثية من العبث والتخريب، مما يعزز الأمن القومي، ومما لا شك فيه أن الاستقرار الاجتماعي والسياسي من جهة، والاستقرار الأمني والقومي من جهة أخرى، يمثلان قاعدة قوية للتطوير والجذب السياحي، وبالتالي زيادة حجم الاستثمار في المشروعات السياحية، واستدامة المواقع الأثرية والتراثية، وما لها من تأثير هام في دعم كافة مشروعات التنمية في المجتمع الأردني .
إن مفهوم التربية السياحية المستدامة يقوم على ربط التعليم السياحي في الأردن مع احتياجات سوق العمل، والذي يمثل إحدى الركائز الأساسية لمستقبل السياحة في الأردن بشقيها الداخلي والخارجي؛ لأن الشباب ذكوراً وإناثاً يمثلون الطلب المستقبلي على السياحة الداخلية، بل إن هؤلاء الشباب أيضاً يمثلون عامل جذب للسياحة الداخلية الخارجية من خلال إدراكهم الواعي لآداب السياحة وثقافتها واحترام المواقع الأثرية، أو من خلال انخراط العديد منهم بشكل رسمي وانتمائهم الوظيفي لقطاع السياحة، الأمر الذي قد يسهم في زيادة استقطاب الراغبين في السياحة من خارج المملكة سواء من الدول الخليجية أو العربية أو من شتى أرجاء العالم.
بسبب الدور المحوري لوزارة التربية والتعليم في تعزيز التربية السياحية والتوعية بأهمية السياحة من حيث أنها مصدر واعد يتيح آلاف الفرص الوظيفية للشباب الأردني برواتب مجزية، إضافة إلى الواجهة الحضارية التي نطل من خلالها على شعوب العالم للتعريف بعراقة وأصالة المجتمع الأردني وتراثه الثقافي الضارب في أعماق الحضارة الإنسانية، ومن ناحية أخرى يجب التركيز على المسؤولية الوطنية الملقاة على نظام التربية والتعليم في الأردن بإمداد قطاع السياحة بالكوادر الوطنية المؤهلة لسد احتياجاته المتعددة في مختلف المجالات ذات الصلة بالعملية السياحية.
أن إبراز وتوضيح التمايز القائم بين ثقافات الشعوب بمختلف العادات والتقاليد والتراث الشعبي له أهمية كبيرة في تدعيم مفاهيم التربية السياحية في الأردن، فالعديد من المواقع السياحية والأثرية والتراثية في الأردن تعاني من مشكلات متعددة أهمها: عدم تقبل أبناء المجتمع المحلي لفكرة السياحة، والعبث بالمواقع الأثرية وهوس الباحثين عن الدفائن الأثرية، إضافة إلى أن هناك من ينظر إلى السائح كفرد غريب منبوذ، وهناك من ينظر إلى السائح على أنه مختلف عن المجتمع المحلي سواءً من الناحية الثقافية أو الدينية، لذا يظهر في بعض الأحيان سلوكاً عدائياً تجاه السائح والعبث بالمواقع الأثرية وتشويه معالمها، خاصة من الأطفال صغار السن في هذه المواقع السياحية والأثرية، من خلال انتشار ظاهرة التسول المستتر وراء عمليات البيع والشراء، وغيره من السلوكيات الأخرى .
تساعد التربية السياحية في تعزيز الانتماء والولاء الوطني الأردني من خلال استشعار أهمية المكتسبات الوطنية الناجمة من السياحة، والاعتزاز بالمقومات السياحية ومظاهر الحضارة والمواقع الأثرية في المملكة والمحافظة عليها، فالتربية السياحية تعمل على تعميق مفاهيم تتعلق بتقبل أفراد المجتمع الأردني للسياحة وللمجموعات السياحية على اختلاف دينها وعاداتها والتعامل بإيجابية معهم، مما يمكنهم من تطبيق ممارسات وسلوكيات حضارية تعكس طبيعة المجتمع الأردني .
تعمل التربية السياحية على تشجيع مبدأ احترام وفهم وقبول الآخرين على اختلاف أديانهم وثقافاتهم، وهذا يتأتى من خلال إيجاد جمعيات تطوعية من مختلف الأعمار مثل "جمعية أصدقاء السائح ” ، لذا يجب أن يفتح المجال لإنشاء مثل هذا النوع من الجمعيات للعضوية فيها من مختلف الفئات العمرية ومن الذكور والإناث وكل من لديه طاقة وخبرة يريد أن يقدمها في المجال السياحي والحفاظ على المواقع الأثرية، ولعل مثل هذا النوع من الجمعيات لم يأخذ أي اهتمام رسمي في الأردن من قبل الجهات المسئولة، فقد كان الاهتمام طيلة الفترات الماضية منصباً في مجالات تربوية متعددة منها التربية السكانية والبيئية والمائية دون إعطاء أي أهمية للتربية السياحية، لذا يجب أن نبدأ في الأردن بتعزيز وتعميق مفهوم التربية السياحية، وهذا فعلياً يتأتى من خلال قيام جمعيات سياحية متخصصة مثل:جمعية أصدقاء السائح في الأردن وأن تكون نقطة انطلاق مثل هذه الجمعية وزارة التربية والتعليم؛ لأن الفئة العريضة من المجتمع هي طلبة المدارس، وهم أمل المستقبل لذا يجب تأصيل مفاهيم التربية السياحية لدى هذه الفئة من المجتمع بصفة خاصة وبقية المجتمع بصفة عامة .
التكامل بين السياحة والتربية تكامل بين مفهومين قبل أن يكون تكاملاً بين جهازين أو مؤسستين حكوميتين، وهذا التكامل يتم وفق رؤية مشتركة تهدف إلى تحقيق تربية سياحية مثلى ونشر الثقافة السياحية بين الطلاب، وهذا لا يتم من خلال إضافة مقررات جديدة وإنما يتم عن طريق تفعيل مواقف تعليمية تستثمر الأنشطة والبرامج والمرافق السياحية لدعم الخبرات التعليمية لدى الطالب وإكسابه مفاهيم واتجاهات وسلوكيات ومهارات جديدة تسهم في بناء ثقافة سياحية إيجابية تسهم في تدعيم الأمن القومي الأردني .
تسهم التربية السياحية في المحافظة على الثروات السياحية خاصة الأثرية منها في الأردن من أن تمتد لها اليد الآثمة بالسرقة أو التدمير أو العبث، وهنا يجب أن نبصر ونحفز المواطنين بكيفية الإبلاغ والإرشاد عن عمليات التدمير لمواردنا السياحية، بهدف مكافحة مثل هذه الحالات ووضع التدابير اللازمة لمقاومتها .
تزدهر السياحة في ظل توفر الأمن والاستقرار والشعور بالأمان من كل جوانبه، ويعتبر الأمن والاستقرار أمرا رئيسيا ومادة أولية مهمة لصناعة السياحة، وتفوق أهميته في هذه الصناعة أهميته في الصناعات الأخرى، من هنا تأتي أهمية التربية السياحية كضرورة أمنية ستجعلنا رسمياً وشعبياً أكثر قدرة على التعامل مع الأزمات الطارئة والمدسوسة والمغرضة، مع العلم أن الإسلام حث على السفر والرياضة والتنقل والتعارف بين الشعوب كما جاء في الآية القرآنية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (سورة الحجرات/13)
من هنا نجد أن التربية السياحية كضرورة أمنية بهدف الحفظ المستدام للمواقع الأثرية والتراثية، لها أثر بالغ الأهمية في كيفية تهيئة المواطن الأردني للتعامل مع السائح ومع الأيدي العابثة التي تحاول الإساءة للمواقع الأثرية وتخريبها، لذا نأمل أن تكون أجيالنا القادمة أكثر ثقافة في السياحة، حيث إن السياحة هي الجسر الموصل ما بين الشعوب.لذا يجب أن تبدأ وزارة التربية والتعليم ووزارة السياحة والآثار بتشكيل لجنة عليا متفرغة لدراسة الأفكار المطروحة أعلاه، والبحث في تدعيم مفاهيم التربية السياحية في المجتمع الأردني، والبدء بإنشاء برامج عمل واقعية، بهدف الحفاظ على الكنوز الأثرية، وتقبل الغير والثقافات الأخرى، مما يؤدي بالنهاية إلى. دعم الأمن القومي الأردني .