لا أدري ما الذي ازعجني في ذلك السن حتى أقرر الهجرة، فالمرحلة لا تحتمل اكبر من عمر يشغله اللعب والحلوى ومشاغبات المدارس. فتحت الأطلس لأختار دار هجرتي المتخيلة-مارلت أحب تقليب صفحات الأطلس- ، وقعت عيني على ألمانيا، قد يكون اسمها تسرب لذهنب من خلال مختلطة الصبيان ومتابعتهم لبطولة كرة القدم العالمية.
عزمت أمري، في أول مشوار إلى المدينة اشتريت كتاب تعلم اللغة الألمانية في أسبوع، وإلا كيف سأتفاهم مع الناس هناك، في القطار والفندق والطائرة، حفظت الأحرف وبعض العبارات والجمل، توالت الأيام وطويت النية في مقابر النسيان. قد أكون توصلت لترضية ما.
في زمن آخر، شاءت الأقدار لي السفر إلى المانيا، تبسمت وأنا ساهمة على أريكة في بيت قريب لي، يالهذا القدر المربوط على طرف ألسنتنا بعض الأحيان.
ذات ضحى خرجت وحدي استطلع الأسواق والأحياء، لا تخافوا، لن أبعد عن البيت كثيرا، توحلت في متاهة الطرقات، بوصلة العودة شبكت الشرق مع الغرب ، لا هاتف ولا حتى رقم هاتف البيت، ولا جواز السفر، إنها يباسة الرأس وتلازم عناد عواصف الرمال التي تُّشكل بعضي
بدأ النهار يجف في دوامتي ، لا يعقل المبيت في حديقة عامة، بحثت عن مقهى، علني أعثر على لون لوحته شمس بلادنا، قد يسوق لي الحظ أحد عربنا الذين تعرفت عليهم أمس في حفل زفاف صبية عراقية.
حبذا لو تتلقفني الشرطة، هل سأستطيع محادثتهم وشرح الأمر ؟! تبا لذاك الكتاب، لااذكر أن فيه مفردات عن الضياع والمخافر... هل يوجد عندهم شرطة؟!
الشمس تجري لمستقرها، وأنا اجري بقلب يرتجف ، ربي دخيل أسمك، وجدتها وجدتها، هذه بوابة البناية، يا لهذا الإله الرحيم في لحظة اليأس الأخيرة، أيكون من صبغ الباب ترتيبنا لحالة كهذه ؟! .
وجدت كارولين متوترة مع صغيرتها ترقب النافذة، لوم وتهنئة بالسلامة. كيف تخرجين بدون هاتف؟!
وقفت التقط الأنفاس و اشرح لهم ما جرى، رشقت ما تبقى من كأس الماء على الأرض، فاحت رائحة التراب، أهرقت مزيدا من الماء على الأرض، حركت أرنبة أنفي، مابك؟ رائحة ترابكم تختلف عن رائحة ترابنا، لترابنا رائحة عطرية تفوح مع أول زخة مطر، ذاتها، كعبق تفوح من قواوير الورد على شرفات بيوتنا، آه بيوتنا، التي لو انقطعت بي السبل لن أتردد في طرق أبوابها ولن أخشى النوم في العذراء ولن أحتاج لمراجعة الكلمات.....سمعت غير ذي مرة عن أناس يأخذون معهم صرة تراب عندما تطويهم المسافات بعيدا عن البلاد ..... الأكيد أن هذه هي التي يقولون عنها في غربة الشوق " والله هذه ريحة البلاد" عجبي...!!!