كما انتصر فقراء فيتنام، وهزموا الدولة العظمى: الولايات المتحدة، ومرمغوا أنفها وكبرياءها في مستنقعاتهم، فعلها عُراة أفغانستان وحُفاتها مع السوفيت الذين لم يكونوا أقل قدرة وقوة عن الأميركيين، وسجلوا برحيلهم هزيمة الاتحاد السوفيتي ونهاية المعسكر الاشتراكي، وهذا ما فعله شعب الجزائر بفرنسا المتفوقة، وشعوب إفريقيا مع البريطانيين، وتحرروا من الاستعمار والنظام العنصري، وهذا ما سوف يفعله الشعب الفلسطيني، عبر نضاله وتضحياته وبسالة شبابه وشاباته، نسائه وكهوله، في رفض المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وزواله عن أرض فلسطين، سواء في مناطق 48، او مناطق 67.
أصرت حكومة المستعمرة على تسيير مسيرة الرايات اليوم، احتفالاً باستكمال احتلال القدس، الذي يصادف وفق الأجندة العبرية الخامس من حزيران 1967، إصراراً من جانب الأئتلاف اليميني المتطرف الحاكم لدى المستعمرة، بتسيير المسيرة تأكيداً على أن القدس الموحدة عاصمة للمستعمرة، ولم تسمع نصائح الأميركيين والأوروبيين ودعواتهم في عدم استفزاز الفلسطينيين، وتمرير عنصر التهدئة لمصلحة واشنطن التي تسعى لأن تستفرد في جعل الاهتمام نحو احداث أوكرانيا تستحوذ على المشهد السياسي والإعلامي وانها المناضل الوحيد في مواجهة الشيطان الأوحد: روسيا، بهدف هزيمتها وبقاء القطب الأميركي الأوحد المتنفذ في مشهد السياسة الدولية.
بينيت يُصر على تنفيذ مسيرة الرايات هذا العام، لعدة أسباب:
أولاً لأسباب أيديولوجية استعمارية تقوم على ان فلسطين لهم، لا قيمة ولا مكانة ولا حق لشعبها بها وفيها وعليها.
ثانياً لمواجهة منافسة المعارضة اليمينية بقيادة الليكود ونتنياهو الذي يسعى للإطاحة بحكومة بينيت -يائير -بني غانتس، حيث تتنافس الحكومة والمعارضة على سلب حقوق الشعب الفلسطيني وأرضه.
ثالثاً لدوافع انتخابية، تحضيراً لانتخابات مقبلة قد تتم قبل فترتها الدستورية، ولهذا يسعى نحو الادعاء أنه الأكثر ولاء للمستعمرة وبرامجها التوسعية، ويعمل ما لم تستطع حكومة نتنياهو أن تفعله.
لم تُفلح كل الوساطات، كل المطالب، كل الضغوط، لدفع بينيت وفريقه الحزبي الائتلافي العسكري الأمني الشُرطي للتراجع عن برنامجهم، متوهمين أن إجراءاتهم الأمنية الاحترازية، ستتجاوز تجربة فشل مسيرة الرايات العام الماضي في شهر ايار الرمضاني، حيث أفشلها المرابطون وأهل القدس ومشاركة أهالي مناطق 48.
ليست مسيرة الرايات الاستفزازية، سواء نجحت اليوم أو فشلت، هي نهاية المطاف، في إنهاء الاحتلال لو فشلت، وليست عنواناً لنجاح واستقرار الاحتلال إذا تحققت، ولم يتم إحباطها بقوة وصلابة شباب القدس وفعالياتها، ونداءات الأوقاف وأئمة المساجد والكنائس، ومجلس الأوقاف لتعزيز الحضور الشعبي الوطني الفلسطيني في القدس، لمواجهة مخططات المستعمرة وأدواتها وبرامجها.
مسيرة الرايات كما كانت العام الماضي مجرد محطة تصادمية واشتباك تدريجي تراكمي بين المشروعين: مشروع المستعمرة، في مواجهة المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني.