عندما مات والدي كان عمري ستة أشهر، لم أره ولم ألمس نعشه، يقولون أن نساء القرية كن يقبلنني ويبكين على حالي، كيف ستكبر هذه الطفلة وما تخبأه لها الحياة وتعيش بدون والدها.
عشت واستمريت في الحياة، لكن لم يفارقني هاجس السؤال، ترى بماذا كان يحلم والدي الذي رحل على أعتاب عمر العشرين، ماهي طموحاته وأمنياته التي فاضت مع روحه يومها؟ لابد أنه فكر ببناء بيت لنا وشراء سيارة وتأسيس حرفة نعتاش منها، قد يكون حلم بمرافقتي إلى المدرسة وحضور تخرجي من الجامعة ومرافقتي من الصالون يوم زفافي..قد يكون فكر بتسمية أبني على إسمه أيضا.. قد يكون فكر بتكوين عائلة أكبر بحيث لا يقتصر الأمر على طفلة وحيدة.. طبعا البنت تحتاج لأخ تستند عليه في طوالع الزمن.. أحلامه تفر مني أحيانا..أحصيها ولا أدركها حقيقة.. وبماذا يفكر الأباء وبماذا يحلمون لأطفالهم بغير ذلك.
كل تلك الهواجس خالجتني وأنا طيلة الوقت أروح وأرجع لصورة طفلة زينة ابنة الشهيد على الجواب ة الذي فاضت روحه عاى تراب غريب.. غريب وموحش جدا، حيث لا الأرض أرضه ولا الناس ناسه، إلا أن الأحلام أحلامه دون سواه.
قد تكون أحلام على ذاتها أحلام أبي وأن وسعت شقة الزمن بينهما، بيت، سيارة، مشروع، تحسين ظروف معيشة. مستقبل بسيط يزحف على حافة الحياة، توسيع نطاق عائلة، طفل جديد، تكني به منذ أيام المراهقة.. لا شك أنها احلام مرهونة ذهبت هناك لتعود في نعش تتحسه زينه.. عله ينهض ويفاجأها بقبلة.. حضنة قوية ألهبتها غربة مالي، قهقهة تاهت في وجوه أقوام لا يفرق بين ملامحهم... كل الأحلام المشروعة تموت عندما يموت أبوك غريبا حيث تظل ماتبقى من العمر تفتش في اجندته الصغيرة عن كلمات تخصك وحدك.. وكأنها.. بل هي ميراثك الوحيد الذي لن يطويه النسيان طالما حييت يازينة.... خالص العزاء حبيبتي زينة..