لكل مدينة تاريخُها الجغرافي الذي صنعته الطبيعة ، وتاريخها الحضاري الذي صنعه الإنسان ، ومن الطبيعي أن تمتلك إربد هذين التاريخين معاً الجغرافي بكل أبعاده الزمنية ، والإنساني بكل عطائه وحضوره الذي يشكّل تاريخاً لهذه الجغرافيا ، فالجغرافيا التي أغفل الإنسانُ كتابة تاريخها بقيت دون تاريخ مثل كثير من المواقع الجغرافية في العالم التي لم يسكنها الإنسان فبقيت دون تاريخ .
إربد لها امتداد جغرافي وحضاري منذ العصر البرونزي أي عام 330 قبل الميلاد ، وكان تلّها الذي يُعتبر من أكبر تلال بلاد الشام رايةً جغرافية وحضارية على مرّ العصور ، وقد حافظ هذا التل على بعض آثار من سكنوه أو عاشوا حوله ، وقد بقي هذا التل كتاب حضارات من تركوا آثارهم فيه .
تاريخ إربد ليس من السهل اختصاره بمقدمة مقال ، لكنني أقول إن وقفة مع تاريخها الإسلامي تعطينا الكثير من ملفاته الثقافية لمن أراد أن يقرأ ويعرف تاريخ الحركة الإسلامية عسكرياً وثقافياً في بلاد الشام .
كلّ هذا الإرث الذي تمتلكه إربد لم نستطع تقديمه عربياً أو لم نرغب بتقديمه بل لم نفكر في ذلك في مناسبة ثقافية عربية باختيار إربد عاصمة الثقافة العربية ، وهرولنا نحو فزعة غنائية ودرامية لا تحمل في داخلها أي صورة ثقافية أو تراثية تقول أنا إربد .
حتى لا نظلم من خطط وعمل من أجل إخراج هذين العملين في الافتتاح سنقرأ نتائج الجهد المبذول وحصاد العمل الذي أراد له المنظمون أن يخرج للناس ، ولنا الحق في قراءة هذه النتائج بل من الضروري قراءتها فهي بوصلتنا إلى الجهد والصدق في العطاء ، فنحن نرفع الرأس فخورين بمزارع قدّم لنا طيب زرعه ، وثمار جهده ، فهل كنا فخورين بما قدمته اللجنة المنظمة والمشرفة إدارياً وفنياً؟ بالطبع لا ، وهذا ليس انطباعاً شخصياً فمن كتبوا قبلي رصدوا الكثير الكثير من السلبيات التي أوصلتنا إلى ثمار متعفنة ، وسنابل فارغة ، وهذا ليس سرّاً فالحفلتان قد تم البثّ لهذه الثمار تباهياً صوتاً وصورةً بشكل مباشر .
لن أعيد ما عُرض على الفضائيات أو ما كُتب على صفحات السوشيال ميديا فقد عرفه كلّ إربديّ غيور ، وكل أردني وطني ، وكل عربيّ جاء وهو يُمنّي النفس أن يشاهد الصورة الحقيقة لهذه المدينة فخاب أمله فهو لم يكن ينتظر ما شاهده وسمعه .
ليس من هوايتي جلدُ الذات ، كما أنني أربأ بنفسي أن أكون راصداً لأخطاء الآخرين ، لكنّ محبتي لمدينتي إربد بشكل خاص ولوطني الأردن بشكل عام يدفعني أن أقول كفاكم تشويهاً لثقافة وحضارة هذه المدينة ، وإذا كنتم لم تُحسنوا قراءتها فلا تقربوا منها ، ودعوا فرسانها ليقولوا كلمتهم ، محبتي لمدينتي يدفعني أن أقول إن تقصيركم واضح وجارح يا مدراء اللجان التنظيمية و التنفيذية لقد فشلتم بالتعبير عن فرحتنا بفوز مدينتنا بعاصمة الثقافة ، وكأنكم تريدون أن تقولوا للعالم العربي إربد لا تستحق أن تكون العاصمة ، وأنا أصرخ في وجوهكم أنتم لا تستحقون مدينة مثل إربد ومثلكم لا يحق له أن يمثلها ويتحدث عنها ، ولتعلموا أن إربد ستبقى منارة علم وثقافة ، ورمزاً للعطاء .
ماذا تفكر اللجنة العليا ومكتبها التنفيذي الآن بعد أن حصدت الخيبة والفشل؟ هل فكّرت بجلسة مع جميع أعضاء اللجان لتبادل الآراء و وجهات النظر حول ما حصل ، ولتفادي ما سوف يحصل؟ هل فكرت الاستعانة بمن لهم خبرات في المجالات التنظيمية والفنية أم أنها ستكتفي بما تملكه من فشل إداري وفني؟ هل فكرت بالتواصل مع اللجنة الإعلامية بمجلس النواب التي من بعض مهامها التواصل مع جميع الدول المعنية خاصة عند حدث عربي ثقافي إعلامي يخص مدينة إربد؟ أم أنها لا تدري أن هناك لجنة إعلامية وطنية تحرص على إرسال الصوت النقي ، والصورة الواضحة لكل فعل ثقافي فني في هذا الوطن إلى جميع أنحاء العالم ، هذه اللجنة التي شرفني أعضاؤها برئاستها وأنا ابن إربد لم نتلقَ رسالة أو هاتفاً من المكتب التنفيذي كما يطلقون عليه ، أو من اللجنة التنظيمية العليا ، هل وجدوا في أنفسهم القدرة على إدارة الأمور نحو الفشل ولا يريدون من يصوّب هذه الإدارة لتتجه نحو النجاح؟
أطالب بصحوة المسؤولين عن الفشل ليعترفوا عن الذي فعلوه بحق إربد بدلاً من أن يدافعوا عن الفشل ، وحدهم أعضاء اللجنة العليا وأعضاء المكتب التنفيذي هم الذين زرعوا الفشل و حصدوا الخيبة ، وشوّهوا حاضر إربد ، ولن يتحمل هذا الفشل شخص واحد مهما كان موقعه ، إنهم شركاء في صناعة الفعل اللاحضاري ولا إنساني ولا فني أو اجتماعي ، هؤلاء متى يصحون من غفوتهم ؟ كفانا شخيراً