لم ولن تكن جنازة الأرشديكون لؤي رزق حداد يوم أمس في كنيسة الراعي الصالح الإنجيلية الأسقفية العربية في السلط الأولى والأخيرة من نوعها، فقد مرَّ عبّر تاريخنا العربي المجيد الكثير من الشخصيات الذين بكتهم عيون محبيها من غير إكتراثٍ لمذهبها أو طائفتها أو دينها لأنّها جسدت حقاً مفهوم خدمة الله من خلال خدمة الإنسان والتضحية لأجله والعمل على سعادته والرفع من قدره وقيمته مهما إختلف في الدين أو العرق أو الجنس أو اللون.
وما يلفت النظر في خدمة جنازة القس لؤي حداد وإلقاء النظرة الأخيرة على الجثمان المسجى في باحة الكنيسة هو الحضور الافت من أهل السلط الكرام بمسلميها قبل مسيحييها، وذلك وفاءً لخدمة القس لؤي حداد الوَفية والصادقة والأمينة في مسقط رأسه السلط وبالتحديد في مؤسسة رائدة هي مؤسسة الأراضي المقدسة للصم والبكم والتي أدارها بإقتدار سلفه الراحل إلى ديار الحق الأب أندرو ديكاربنتير الهولندي الجنسية والذي لشدة حبه للسلط ولأهلها دفن بجوار الكنيسة كما هو الحال مع فقيدنا الراحل الكبير. فهذه المؤسسة العريقة التابعة لمجمع الكنيسة الإنجيلية الأسقفية العربية الشقيقية تخدم المجتمع المحلي والعربي وتقدم الخدمة لمستحقيها من غير إعتبار لإنتماءاتهم الدينية أو الطائفية أو الجندرية، بل النظر إلى حاجتهم في نيل الخدمة التي يستحقونها كأبناء الله وحاجتهم للتعلّم والتعليم وإتقان لغة الإشارة لينخرطوا في المجتمع كأعضاء فاعلين وفعّالين وذي قيمة إنسانية تستحق إحترامها والتعامل معها بكل محبة ومسؤولية.
ووفاءً لأخوَّة امتدت لخمسة وعشرين عاماً كنت يوم أمس أحد المشاركيين في تشييع جنازة أخي وصديقي وزميلي في الخدمة الكنسية الأرشديكون لؤي حداد الذي أكّن له كل التقدير الإحترام لما رأيت فيه من وفاء وصدق وإنتماء صادق لإيمانه وووطنه الأردن وكنيستة الأسقفية العربية وخدمة الوحدة بين كافة الكنائس المسكونية وخصوصاً الكنائس التابعة لمجلس كنائس الشرق الأوسط، فقد خدمنا معاً على لجنة خدام الرعايا التابعة لمجلس كنائس الشرق الأوسط لعدة سنوات، والتي كان هدفها تعميق الروح المسكونية بين كافة رجال الدين الكهنة والقساوسة من أجل شهادة أفضل للمسيح وللكنيسة في مجتمعها وسياقها العربي التي تنتمي إليه بكل جوارحها وهي جزء منه وتشكل اللغة العربية لغة العبادة الرئيسية فيها وفي ليتورجية الكلمة والأسرار المقدسة.
وقد أشاد سيادة رئيس الأساقفة المطران حسام نعوم في كلمته بفضائل القس لؤي حداد كأحد خدام الكنيسة المتميّزين الذين عُهد إليهم عدة مسؤوليات وأدارها بكفاءة عالية وإقتدار بالغ إبتداء من رئاسة المحكمة الكنائسية التابعة للكنيسة في الأردن، وإدارة مكاتب المطرانية في جبل عمان، وإدارة مؤسسة الأراضي المقدسة للصم والبكم. وقد أشار إلى الحكمة والرزانة والخبرة الواسعة التي كان يتمتع بها القس لؤي إضافة إلى إلمامه بتاريخ الكنيسة، فبرحيله فقدت الكنيسة عموداً من أعمدتها في الخدمة والرعاية والقيادة.
ورغم هذا المصاب الجلل والخسارة الكبيرة إلا أننا نسلّم أمرنا للعلي القدير الذي إختار برحمته أن ينقل أخانا من شقاء الأرض وتعبها إلى راحة السماء وسعادتها، وننقل أحر تعازينا الحارة لذويه ولآل حداد الكرام ولأهالي مدينة السلط الأعزاء وللكنيسة الإنجيلية الأسقفية العربية في القدس والشرق الأوسط.