الموت الحقيقي يبدأ عندما يستسلم الإنسان لليأس ويرفع رايته البيضاء. فالحياة أشبه ما تكون بأمواجِ مياهٍ عاتية قد تأتي علينا، وقد تتقاذفنا أمواج البحر، وترمي بنا يميناً وشمالاً، وترفعنا للأعلى، وقد تهوي بنا إلى الأسفل، ولكنَّ الله زرع في قلبِ كلِّ واحدٍ منّا حبَّ الحياةِ، والجهادَ لأنْ نحافظ عليها ونعملَ لأجل أن تبقى الحياةُ حلوةً نقية طاهرةً جميلةً غيرَ ملوّثةٍ بكافةِ أشكال الفساد والشّر والدمار.
ونظرة سريعة من حولنا نرى بأنَّ أموراً كثيرة باتت تُهدِّدُ الحياة البشرية إبتداء من الأمراض الفتاكة التي غزت عالمنا، إلى أسلحة الدمار الشامل والسباق نحو التسلح النووي، إنتقالاً إلى التغيير المناخي وإرتفاع درجة حرارة الأرض والإحتباس الحراري، إلى ندرة الماء الصالح للشرب، وصولاً إلى أرقام غير مسبوقة في غلاء المعيشة وإرتفاع أسعار السلع الأسياسية والضرورية للحياة البشرية، ناهيك عن كُلف الحياة من تعليم وصحة ونقاهة وترفيه، ووصولاً إلى أزمة الغذاء العالمي الذي مسّ رغيف الخبز والقوت اليومي لحياتنا البشرية.
ولربما قد قصرنا تجاه عالمنا بأن أصحبنا غير منتجين وغير مطوِّرين وغير مخترعين، نأكل مما لا نزرع ونلبس مما لا نغزل ونستهلك مما لا نُصلح ونطوّر ولا نأتي بما هو جديد، حتى غدت نسبة وارداتنا تشكل نسبة عالية مقابل صادراتنا المحلية التي تعكس أين نحن من العالم وماذا نشكل من قوة إقتصادية ومالية وبالتالي سياسية. فلا بد من العودة للأرض الأم التي تحتاج أن نفلحها وأن نستصلح أراضٍ زراعية جديدة، وأن نوقف الزحف العمراني إلى الأراضي الزراعية الخصبة، والتي تشكل العتبة الأساسية في النهوض والوقف على أرجلنا، وخصوصاً وأن الفرص كبيرة لذلك إن أحسنا إستغلالها وإدارة مواردنا الطبيعية.
ومع كل ذلك، فنبض الحياة أقوى من الإٍستسلام للموت، وهذا لا يعني أنَّ كلاً منا لن يموت جسدياً وأنه لن تنتهي حياته البشرية مهما طال عمره أم قصر، ولكن هذا يعني أنَّ من يخوض غمار الحياة فعليه ألا يخشى الفشل، وأن لا يستسلم للظروف مهما كانت قاسية أو صعبة أو مريرة، لأنَّهُ عندها حقا يكون الموت الحقيقي الذي يحصدُ معَهُ كلَّ شيءٍ حتى يسرقَ منَّا نبضَ حياتِنا.
ولعل أقوى دافع لنا لعدم الإستسلام هو إيماننا ورجاؤنا برّب الحياة، فلنَا في الله رجاء وثابت وأكيد، وبأنّ يدَ الله معنا وأنه مهما قويت وعلت أمواج البحر ومهما ألمت بنا مصائب وصعوبات وأمراض، فإنَّ الخلاص والنجاة منها ممكنة بثقتنا بالله وبقدرته اللامحدودة والقادرة أن تفتح لنا طاقات النجاة والخلاص كطاقة الفلك التي أطلق منها نوح الحمامة التي عادت إليه بغصن زيتون أخضر، فلا يأس مع الحياة ولا معنى للحياة بوجود اليأس فيها.
وأختم ببيتين من الشعر للإمام الشافعي:
ولرُبَّ نازلة يضيق بها الفتى .. ذرعًا وعند الله منها المخرجُ
ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتُها ..فُرِجت وكانَ يظنُّها لا تُفرجُ