كتب الدكتور محمود العمور مقالا حول معاناة الاطباء في بداية دراستهم لتخصص الطب وحتى حصولهم على الاختصاص , حيث قال فيه : أثناء دراستي الجامعية للطب , انتحر اثنان من الزملاء , أحدهم في السنة الثانية عن طريق إطلاق النار على رأسه لرسوبه في مادة التشريح مرتين متتاليتين. والآخر في السنة الثالثة لرسوبه في عدة مواد طبية. كانت دراسة الطب فوق صعوبة المادة وكثافتها... يتم تعقيدها في بعض الجامعات... أسئلة صح وخطأ
والإجابة الخاطئة تمحو إجابة صحيحة... يعني إذا أجبت على ١٥٠ إجابة صحيحة من ٢٠٠ سؤال، تكون علامتك هي ١٠٠ فقط... امتحان التشريح العملي وعلم الجراثيم وعلم الأمراض... دقيقة واحدة فقط أمام الجثة أو المجهر للإجابة عن سؤالين... يضرب الجرس لتنتقل إلى الأخرى وهلم جرا.
فالطالب الذي حصل على معدل عال في الثانوية العامة أهلته لدخول كلية الطب... ينصدم بدراسة الطب وأسلوب الامتحانات... ليجد نفسه بعد أن كان من الأوائل يرسب أو يحصل على علامات متدنية جدا... فلا يتحملها البعض... وكثير يعاني من صدمات نفسية واكتئاب... بالإضافة إلى تعامل بعض الأساتذة مع الطلاب بطريقة وحشية من عدم الاحترام والتنمر. ثم بعد معاناة مع ٦ من السنين العجاف في الكلية... يبدأ مرحلة الإقامة ليحصل على الإختصاص... وهنا تبدأ معاناة أخرى أعظم... دراسة مكثفة أكثر... عمل مضني ومناوبات ليلية متتاليه... لا يعرف ليله من نهاره... ولا أيام دوام من عطلة... الجمع والأعياد والعطل الأخرى... العمر يمضي ولم يُكوّن مستقبله... ومسؤولية الزوجة والأولاد من جهة أخرى إذا فعلها وتزوج في الإقامة... التعامل مع حالات مرضية خطيرة... تنمر أغلب الأخصائية وزملائه الأقدم في الإقامة... تنمر المراجعين ومرافقي المرضى عليه... تعرضه بسبب هذا التنمر من الجميع إلى الإهانة ومس كرامته... فإما أن ينتحر أو يموت قهرا أو يعاني من الإكتئاب أو تتبلد عنده المشاعر والأحاسيس.
في السنة الأولى من الإقامة... وبسبب ضغط العمل والتنمر أصبت بإكتئاب حتى كنت عندما أذهب للنوم أتمنى أن لا أصحو من نومي... وعندما لاحظ أحد زملائي الأقدم حالتي هذه... فبدل أن يخفف من معاناتي قال لي: هل تعلم أن أعلى نسبة انتحار في بريطانيا كانت بين الأطباء المقيمين. ثم وبعد الإنتهاء من الإقامة وتكون قد جرفت احلى سنين عمرك معها... يستمر العمل المضني والتعامل مع الحالات المرضية الخطيرة... والتنمر من المسؤولين والمدراء والرؤساء والزملاء والمراجعين ومرافقي المرضى... لتستمر المعاناة والجحيم وضغط العمل وخصوصا من يحاول أن يعمل بضمير ويؤدي حق علمه وعمله. استمرت هذه المعاناة من سن ١٨ وحتى استقلت من وزارة الصحة وعمري ٤٦ سنة، مرورا بكلية الطب جامعة بغداد، والإقامة في المستشفى الإسلامي عمان، ومستشفى الأميرة بسمة، ثم العمل في مستشفيات وزارة الصحة معاذ واليرموك وحتى الاستقالة.
رسالتي : لكل مقبل على دراسة الطب... هذا هو حقيقة الطب ودراسته ومشواره الطويل... فاستعد لذلك.إلى أساتذة الطب والأخصائية المشرفين على الطلاب والمقيمين؛ ارحموا من عانيتم يوما ما عانوه. إلى زملاء المهنة؛ إن لم ترحموا بعضكم بعضا فمن سيرحمكم؟!. إلى المسؤولين والمدراء والرؤساء ارحموا من في الأرض ليرحمكم من في السماء. إلى المراجعين والمرافقين ومتلقي الخدمة رحمة في هؤلاء الذين يعانون ضغط الدراسة والعمل والتنمر والاكتئاب أو تبلد المشاعر والأحاسيس القسري. إلى كل هؤلاء رحمة بهم وبعائلاتهم حتى لا يفقدوهم بسببكم... فمعدل عمر الطبيب قد انخفض بشكل كبير جدا .