هاهو شهر أيلول على الأبواب وهاهي نوافذ بيوت من اجبرتهم الحياة على فراق الوطن ، توشك ان تغلق رُغما عنها، حتى يأتي عليها صيف قادم، يحرك فيها الحب والحياة من جديد..
ستنتهي الأشياء الجميلة بكبسة زر، وتذكرة سفر، وعندها ستغلق العيون على ذكريات الاهل والاحباب ، ستؤجل الضحكات ، وينتهى السمر والسهر وسيبدأ خريف جديد ، ومعه تَهَاوَى انوار القلوب قبل الشوارع ،ستختفي جلسات البيوت، وجمعة الأحباب،وسيكتفي الجميع بالرسائل، والصور، ورنات الهاتف،سينتظر الجميع عامًا كاملًا حتى يتجدد اللقاء وتعود لهم الحياة والحب من جديد.
تبدأ رحلة العودة قبل يومين او ثلاث بإغلاق الحقائب، وتفقد وقت الاقلاع والهبوط ، علهم يجدوا فيها منفذ ( بصيص امل).
فما يدريك قد تتأخر الرحلة لساعات او يوم على ابعد الحدود ، ستبقى اخر كاسة قهوة جاثمة كشاهد على ما كان طوال شهر الإجازة، وسيبقى على احد رفوف المطبخ فتات حبات البسكويت لعل الحركة تبقى داخل البيت ولو بحبات نمل .
هذا هو حال المُغتربِ عن أهلِهِ ووطنِهِ عن أحبابِهِ وأرضِهِ ، فمنذ اليوم الأول سيعانق المغترب دموعه كثيراً، وستفشل كل محاولات احتباسها أو البحث عن بديل لها.
سيفاجأ بثمة كلمات تختنق، ومشاعر تترجم دموعاً وتنهمر بسخاء كيف لا وهل هناك اغلى من الاهل والوطن.
ذكرياتٌ تتدفَّقُ نحوَ خاطِرِة صباحَ مساءَ لايام وايام، يَنتابُه فيها الألمُ فيضيقُ صدرُه وتتسارعُ دقّاتُ قلبُه فلا يجد ملاذاً أمناً الا بالبكاء وفتح الهاتف الف مرة على صوره او تسجيل يعيد فيها ذكريات جلسة او اصوات ضَحِكِة .
باختصارٍ – هي حالةٌ لا يعرِفها إلا من ذاقَها وعاش تفاصيلها هي شَلاَلِ من العواطف الصادقة تَكْسِرُ صَمْتِ المسافر وَتدَاعبُ خيوط قلبه يكررها عاما تلو الاخر ويقنع نفسه كل عام مرغما ببصيص امل فعسى الله ان يعيد عليه العام القادم وهو بين احبته يشاركهم ويشاركونه ويكون للعيش معناه ان الله سميع مجيب الدعاء .