.. و تحاولُ أن تخرج من بين زوايا اللومِ ..تحاولُ أن تمشي بين فقيرين رقيقين ..تحاول أن تزرع سنبلةً في قاع الجوعِ وأن تركضَ نحو الماءْ ..أعرفُ أنك معصوبَ العينين وليس لديك سماءْ..أعرف أنك أقسمتَ على الشمّ وأن تحلفَ في كلِّ زُقاقٍ ألف يمينٍ ..كلّ الأوجاع لديك طريقٌ طازجةٌ ؛ لا يتبدلُ فيها إلاّ الأسماءْ..أعرف أنك في التيه ولكنك مليون تحاولُ و تحاولُ ..لا تقصيك تفاصيلُ الحيتانِ ولا تقهرك سماسرة الأوطان وإن ظلّوا ينشطرون على أنفاس الأشياءْ..!
اخرجْ ..حاولْ أن تمسكَ أفكاركْ ..لا تشتم أحداً في الدربِ و خلِّ الفكرةَ تسكن دارَكْ..واحملْ خارطةً كبرى واضحةً ؛ فيها وجهُكَ ؛ وجهُ أبيكَ ؛ وجهُ بناتِ العمِّ ؛ ووجهُ الدنيا المقلوبةِ حولك ...قاومْ ريحكَ ..ريحكَ مسمومةْ ..لا تركضْ خلفَ الأوهامِ الناسفةِ وجودِكَ ؛ أنتَ عديمُ النسفِ ؛ عديمُ الموتِ ..لأنّك باقٍ وسط النار الموهومةْ..!
أصدُقكَ القولَ ..بلادةُ عمركَ مهما تفنّنتَ ستبقى العنوان الأكبرْ..وسيبقى فيك تفاصيلُ الناسِ الباحثةِ عن الطبِّ الشعبيِّ وتبقى دون علاجٍ حتى يُحرقَ فيها اليابسُ و الأخضرْ..هذا الغضبُ الرابضُ فيكَ يشيرُ إليكَ ..يشيرُ إلى لعبةِ عمركَ بل هذا العمرُ وكيفَ تعثّرْ..؟!
وتُدلِّلُ أوجاعَكْ..وتعودُ لمنْ باعَكْ..لكنّك في منتصفِ العمرِ تغالبك الأحلامُ فترجع ملسوعاً و تعيدُ إليكَ طباعَكْ..تمشي بين فقيرين رقيقين ..تمدّ يديك إلى كسرةِ خبزٍ ؛ و إلى الفولِ المغشوشِ ؛ وبعضِ حزوزٍ من حبّة بندورةْ..وتجلجلُ فيك الضحكةُ ..يضحكُ أيضاً فقراؤكَ ..تختلفُ الأجواءُ ..طقوسُ ليس يمارسها إلا الموجوعون بذنب الفقر اللامتناهي..لتدورَ النكتُ الحمراءُ ..تدفعُ عمرك ثانيةً لتعودَ إليك دموعٌ من فرط الضحكاتِ ..أتذكرُ؟؟؟ لن تنسى بالتأكيد فأنتَ بلادٌ و هواءُ...