مدخل - تعتبر الأحزاب السياسية في بعديها الاجتماعي والسياسي، مكوناً أساسياً في نظرية السلطة العامة في الدولة الحديثة كونها بنى سياسية قوامها النظر إلى المواطنين بصفتهم قوة (اجتماعية/سياسية) يشاركون بنشاط في الشؤون العامة وفي قرارات الحكومة من خلال المؤسسات التشريعية والحزبية الفاعلة، فضلا عن الجمعيات والنقابات وجماعات الضغط والمراكز السياسية ... إلخ.
فهي نشاط عام دائم موضوعه عالم الأفكار والثقافةوالأخلاق والحقوق والحرمات الخاصة والعامة وقضايا السلام والتنمية الاقتصادية، وتحسين طبيعة الحياة العامة وشروطها الأخلاقية والمادية والمعنوية، فضلاً عن مراقبة عمل السلطات الحكومية والحيلولة دون تجاوزها على حقوق الأفراد والجماعات وحرياتهم.
ومن هنا اوجه دعوة للشباب الفاعل الحاضر اليوم في المشهد السياسي، بأنه مدعو بأكثر مما كان مدعو من قبل إلى المشاركة السياسية بالانتساب للحزبية المنظمة والانخراط في مشروع وتيار النهضة كمشروع معني بإصلاح احوال المجتمع الاردني النظرية وأصوله الفكرية ومشروعات حياته اليومية، فضلاً عن تجديد ولايته السياسية وعلاقاته النظامية، بحيث تكون سمة مشروع النهضة المنشود هو قدرته على ان تجعل من الاردن بلداً عظيماً قادراً على استيعاب وتجاوز مشكلاته وازماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية طوعاً بلا إكراه مادي أو إرهاب معنوي في المدى المنظور والمخطط.
ومن الملاحظ مع ضعف سائر الأحزاب الاردنية وتهافت خطابها العام، ان الحياة السياسية في بلادنا قد اكتظت بظاهرة (الناشط السياسي) خاصة بين أوساط الشباب ،فمجاميع كبيرة من الشباب غير المنظم والمنظم ايضاً ، نجده يلجأ لوسائل التواصل الاجتماعي، بدلا عن الانخراط في صفوف هذا الحزب او ذاك، لأن وسائل الاعلام تعني لهم ضرب من ضروب المشاركة السياسية عندما يتبادلون نقل الأحداث والقضايا المهمة، وقد ظهرت تلك الميول باعتبار دور الإعلام والاتصال له اهميته في التأثير على الرأي العام السياسي الاردني ،لأنها في الحقيقة عمليات اتصال واسعة يتوجه فيه ظاهرة (الناشط السياسي) صاحب اللايف او الصفحة غير المنتمي حزبياً، إلى جمهور المتلقين على اختلاف فئاتهم سواء كنخب سياسية أو عموم الجماهير، بخطابات سياسية يومية سائلة ومشوشه، وبذلك امتلأ الفراغ الحزبي بتواصلية مادة الاعلام الرقمي للناشطين السياسيين غير الملتزم، وبات الاعلام الرقمي هو الموجه الحقيقي للرأي العام السياسي في الاردن وهو خلل بائن لا بد من إصلاحه ، فالأحزاب السياسية تبقى هي أداة السياسة والمشاركة السياسية الأهم ، اما وسائل الاعلام فهي وسائل اتصال سانده وشارحة لا مؤسسة للفعل السياسي، باعتبار أنّ الاتصال ووسائل الإعلام هما في الأصل حاجة تواصلية وسياسية وإدارية وتربوية، مما لا ينفع معه الاستغناء عن مكانة الأحزاب السياسية في إدارة العمل السياسي الداخلي أو الخارجي، ومن ثم اعطاء الاولوية للإعلام لإحداث التغيرات المطلوبة على الصعيديين المحلي والعالمي.
ان الأحزاب تبقى أحزاباً واداوت للسياسة، وان وسائل التواصل الإعلامي تبقى وسائل للتواصل،
وتأتي هنا الدعوة لتجديد الفكر والتنظيم والقيادة في تيارات الأحزاب السياسية، فلا تحول ديمقراطي ولا حرية ولا مشاركة سياسية ولا حكم للمدنيين فاعل إلا عبر بناء الأحزاب السياسية التي هي عنوان بناء مؤسسات الدولة التشريعية المنتخبة انتخاباً حراً، كما لا غنى عن الأحزاب والنقابات والجماعات الفكرية والثقافية واستبدالها بوسائل التواصل الاجتماعي وحدها.
والحقيقة ان وسائل الإعلام والاتصال ومهما علا شأنها فإنها لا يمكن لها أن تحل محل الأحزاب السياسية، كأداة هامة في ممارسة السياسة والمشاركة فيها، وعندئذ فإن امام الشباب الاردني خيارات الانخراط في الأحزاب القائمة، بعد إصلاحها وتجديدها، أو التوجه نحو تأسيس أحزاب جديدة و بديله وهو ما أراه متوفرا لهم اليوم على مستوى عالم الافكار وعلى مستوى عالم الأطر القانونية والتنظيمية المطلوبة،وعلى مستوى القدرة على العمل الجماعي مع ضرورة الابتعاد عن سيطرة نزعات الانا وتضخم الذات، وغير ذلك مما لا يتسع له المقال، ولكن وفي كل الأحوال فإن على الشباب مغادرة محطات النقد والرفض والغضب على القديم سريعا، والانخراط في النشاط الحزبي السياسي.
وبالنتيجة تأتي هذه الدعوة لضرورة مشاركة الشباب الحزبية كنهضة شبابية قادرةٌ على المشاركة الفاعلة والقيام بعملية الإصلاح السياسي في الاردن واستشراف مستقبله، ساعيةً لاستيعاب الأخطاء والاعتبار بالدروس والعبر التاريخية، والتخلي عن خطاب الانفعال والاستقطاب والانقسام والتشرذم والاحتقان والمرارات والذي قوامه خطاب انقسامي واحتجاجي وتبريري مسيطر على الوعي السياسي في عمومه، والانتقال منه إلى خطاب نهضوي تأسيسي يكون أكثر عمقاً وشمولاً، تكون له القدرة على مقاربة مشكلات الدولة والمجتمع معاً، انطلاقاً من حضارة وقيم المجتمع الأصيلة وخير الخبرة الإنسانية العامة ومحددات الواقع الاردني الراهنة.