يعتقد بعض المفسفسون والمتكتكون ومعهم ثلة من التويتريون والانستغراميون بأنهم يمتلكون الحقيقة، ويعزف هؤلاء الواهمون على أوتار مأزومة، والذين يسوّغون الفوضى، ويشحنون الهمم في غير محلها، والذين يحاولون تسلق القمم على أكوام القمامة، والذين ليس لهم هم إلا المزايدات والمناكفات، وصب الزيت على النار، أما يعلمون أن الفوضى ليست شجاعة، والتخريب ليس رجولة، وقتل الابرياء ليس بطولة، وقطع الطرق وايذاء الآخرين ليس له محل في قاموس النخوة والشهامة، وجميعها مفاهيم مغلوطة.
اغلاق وقطع الطرق والتخريب والقتل وايذاء الآخرين وتعطيل مصالح المواطنين ليست إلا وسائل انفعالية وفوضوية للتعبير عن الرأي، وهي نقيض الرقي ومبعث على تدني الفكر والثقافة، ولا تدخل في النواميس أو القواميس الناظمة للعدالة والديمقراطية، ولا تعدو كونها عبثية صبية وانفعالات شبابية معها تضيع الحقوق وتختل مشروعية المطالب.
في المقابل فإن الوطن الذي يئنّ ألما تحت وطأة الفقر والجوع واليأس والقهر أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى قيادات وفيّة لمبادئها، وواعية لرسالتها، مؤمنة بعدالة مطالب المواطنين، فقد طفح الكيل وبلغ السيل، وآن لنا أن نسمع صراخ الجوعى وآهاتهم، فقد صبروا حتى ملّ الصبر وعجز عن صبرهم.
الوطن بحاجة إلى قيادات تستشعر الخطر وتعي حساسية الوضع، ولا تسمع أصوات المادحين الطامعين والمتخمين، قيادات تجوع حيث يجوع الناس، يتألمون لألمهم، يلتف الجميع حولهم ومعهم لا عليهم من أجل وطن أكثر دفئا وجمالا، وأكثر أمانا واستقرارا، نحن بأمس الحاجة إلى قيادات قادرة على تجاوز عثرات الماضي والخيبات المتتالية، تحمل هموم الوطن والمواطن، وتخطط لمستقبله، ومستقبل أجياله، ولا تنخرط في مؤامرات عليه، ولا على لقمة عيشه.