كادت الأنفاس أن تلفظ ونبضات القلوب أن تتباطئ على انين الصمت المطبق تتهاوى الاقدار
أرادوا الإخراس لأنه تكلم .. والماضي كله صمت وطاعة . وتلك هيمنة القبور لازمت الدائرة مثل شوكة الساعة .. ومناسك الصمت لازمت الأعمار من حافة المهد إلى قاع المصير فما الذي أجبر الصامت أن يبوح صارخاَ لو لا شدة الويلات وفاجعة القدر ثم تلك النوازل من عواصف المحن العارمة . أمنيات وطموحات تنازع الأفئدة وكالآخرين أحلام تراود الخاطرة وهي ملحات ولوازم تمكن المرء من حياة كريمة عادلة حياة تريد السعة وتريد المزيد والمزيد من العافية وراحة البدن. والأرض رغم السعة لا تمد إلا بالجهود الفاعلة وقد أضاع العمر في الصمت والطاعة ولم نحصد من ثمار الصمت إلا الحسرة والندامة حيث جزاء الصمت كان الصمت والإصرار على صنع المحن وحيث الطاعة لمناسك الكبت كان المزيد من الكبت وعندها قد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى واولجت ألسنة الحكمة أن الذي يزرع البوح في حينه يحصد ثمار العزة والكرامة وأن الساكت رغم الأوجاع إما أخرس لا يقدر على الصياح أو أنه صنم يفقد المشاعر والإحساس أقوام آثروا مناسك الحياء والاستحياء فلم يجلب لهم الحياء إلا المزيد من الالم و الشقاء وقد توغلوا في متاهات الصمت حتى ظنت النفوس أن المجريات توافق الأهواء . وقد توارى على الناس ذلك المثل الذي يقول أن السكوت من علامات الرضاء .ولكن رب صامت يسكته الجوع والفاقة عن البوح والشكوى والبكاء فلما تغلق أبواب المكرمات والرخاء دون أهل الفاقة والفقراء ولما لا تكون تلك الجنان كريمة بقدر يحتمل هؤلاء وهؤلاء ولما تعج المعاجم بمفردات تميز المتنعمين ثم ترفض هؤلاء الضعفاء . وما هي الضرورة التي تلح لتجعل الناس تخوض في برك الدموع والدماء وماذا يضير لو أن تلك الأنفس تنازلت عن كبريائها ثم نادت بالمودة والإخاء وأين قيمة الصمت لو أن الصمت يكسب الناس شيمة الجبن والجبناء لما لا نبايع البعض بسنن تذهب الغبن وتطرد الأوجاع من الأرجاء . لا فارض يفرض قدر البشر إلا بسماحة المشورة ثم الأخذ والعطاء . فتلك الحياة ليست كلها صدام وعداوة ثم نفوس تغلي بالغل والبغضاء . إنما هي لحظات ود ووفاق يجمع الكل في سفينة الرخاء والنفوس تنادي بالعدل والإحسان والإنصاف وتلك فروض تنادي بها كتب السماء فلما الظلم يجتاح مسارات الحياة ولما الظالم يتفاخر بكثرة السجناء ولا متجهم يملك الأبدية .. ولا صامت يفقد الحقوق يوم الحساب والبكاء فما له إلا الويل من لقاء رب السماء....