كانت لي في صحيفة الهلال الاسبوعية صفحة اسمها ذاكرة وطن، كل أسبوع اقابل شخصية عامة وانشر المقابلة فيها، قبل كل مقابلة اقرأ ماتيسر عن تلك الشخصية إن كان كُتب عنها شيئا إضافة لجلسة خاصة مع الأب الشرعي للحفية الكاتب الصحفي الاستاذ احمد سلامة والذي كان هو شخصيا من يختار لي تلك الشخصية ويزودني بمفاتيحها ومحطات تجربتها كما علم وخبر عنها.
نهاية الأسبوع أعود لقضاء الجمعة مع اهلي في القرية، احيانا لا يتيسر ذلك أسبوعيا حيث بالإضافة للذاكرة وطن اجري تحقيقات صحفية ومواد أخرى تتطلب مزيدا من الوقت والجهد.
أحدث جدي بما سمعت ومن شاهدت وأخبره عن عمان والمناطق التي زرتها، وفي ذات مرة كنت أحدثه بفرح عن مقابلة مطولة اجريتها مع احد اهم رجالات الأمن العام في تاريخ الأردن والدي يعد من اعمدة مؤسسي هذا الجهاز والذين شهدوا معظم مراحل تطوره، كنت سابقا سمعت اسم حكمت مهيار من جدي وأنا صغيرة ، لكن لم اتوقع أنني سألتقي به يوما، وحكمت مهيار تدرج في عمله حتى تسلم قيادة جهاز الأمن العام ومحافظ العاصمة.
رويت لجدي طبيعة اللقاء والاسئلة والأجوبة ومانشرته وما لم انشره حينها، وما لايمشره الصحفي يكون نوعا من الاتفاق مع الشخصية ويدخل في باب أمانة المجالس بناء على رغبة الطرف المقابل طبعا، كان جدي يفرح بما أحدثه به كنوعا من الإنجاز من جهة ومحبة منه لتلك المهنة التي اخترتها كصحفية، بعدما أخذنا الحديث تشعبات كثيرة، نهض جدي كي يذهب إلى مضافته، وقف وحدق بعيني مليا، يريد قول شيئا بعد كل ما سمعه مني وشعوره بزهوي أنني اقابل رجال دولة، تبسم، ثم أشار الي المدفأة المشتعلة وقال: يمه، ديري بالك، ترى الدولة مثل النار، اللي يقرّب منها زيادة عن اللزوم تحرقه.. ومضى.. صمت، صررت نصيحة جدي في عقلي.. دخلت، خرجت، عرفت، ذهبت وجئت و نصيحه لم تغادرني، فلم انضم لشلة ولا لصالون ولا لهمس .. وبقيت اتفرج على النار تشتعل في مواقدها.