١٦. قال تعالى " والصبح اذا تنفس " فقبل ذلك تكون الحياة في هدوء وصمت وقلة حركة حتى اذا جاء الصباح بدأت جثة الحياة بالتحرك والتنفس مثل المغمى عليه اذا زال عنه الأذى أو المخدر واستعاد وعيه، فبلاغة القرآن تحول الزمن إلى كائن حي يصمت وينام ويتنفس مثلك أيها الإنسان فهذه كلها تراها في نفسك، وتنفس الصبح ببدء ذهاب العتمة وبدء حركة البشر مشيا" أو ركوبا" حيث تتحرك الآلات وتفتح المحال والمؤسسات والمدارس والدوائر فالجسم المجتمعي كله يتنفس .
١٧. قال تعالى " إن الإنسان خُلق هلوعا" " والهلع هو شدة الخوف، يخاف الواحد منا من أي شيء سلبي كالمرض والفقر والأذى وعيون الناس والأخبار السيئة والموت وفقد الأحبة في نسيان وغفلة أن ذلك من سنة الحياة حيث لا يمكن أن تصفو لواحد أيا كان ومهما ملك وتملك فالصحيح سيمرض، والحي سيموت ، والدموع ستسيل ، والفقر قد يقف أمامك ، والخوف قد يطاردك..
وهذا يشمل جميع الناس كما في الآية حيث (ال) الاستغراقية فلن ينجو من الهلع أحد إلا إذا جهز نفسه وتذكر أن ذلك حاصل لا محالة وهذا لا ينفي قانون المدافعة .
١٨. قال تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب" يا الله ما أجمل كلامك !! (اذا) ومتى كان الإنسان قادرا على ترك سؤالك؟، فكل البشر يسألون ويطلبون ويحتاجون بغض النظر عن كيفية ذلك ، حتى من أخفى الطلب عن آذان الناس ففي نفسه يطلب ويرجو، ضعف الإنسان لهوه عنك يا رب في حال رخائه !! لكنه عند السلبيات والعجز والقهر يأتيك مستنجدا متوسلا لحوحا، حتى من يملك يريد الزيادة ، وحتى من يملك الصحة يريد دوامها، وفي الآية بيان حرية الإنسان في أن يسأل فالأمر عائد إليه (اذا) فلا أحد يمنعه والله قريب سمع كلمات فرعون وهو يغرق ويقول "آمنت..." فقال الله "الآن ؟!) .
١٩. وقال الله في عيشنا الاجتماعي: " أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه " في استنكار لسلوك اجتماعي قبيح نمارسه في غفلتنا حيث يطعن بعضنا بعضا، فجاء القرآن ليكره لنا صورة الغيبة لأنها تدل على الجبن، فمن كان له كلام عند شخص آخر فليذهب إليه وليكلمه وجها لوجه ، أما الطعن في الظهر فلا يليق بكرامة الإنسان، حيث صور القرآن هذا الفعل بأكل لحوم البشر وهو أمر مستهجن مستقبح عند النفوس الطبيعية.
٢٠. قال تعالى: " من عمل صالحا فلنفسه..." فالحياة تمكننا من عمل الصالحات والتي تعود علينا أفرادا ومجتمعات بالخير، تعود عليك حين تشعر بأنك فعلت طيبا ولهذا قال علماء السلوك: إن العطاء أخذٌ، فإن من قدمت له قرشا قد قدم لك شعورا بأنك راق وعالٍ ومعطاء، حتى السلاطين كانوا يعطوا ليأخذوا من شعراء التكسب مدحا، فما بالك اذا نويت أن تفعل الخير لأن رب الناس يراك ترعى عباده بمال الله الذي أعطاك وبكلامك الطيب الذي قدرك على النطق به، في النهاية انت مختار في أن تفعل ما تريد فاجعل فعلك خيرا صالحا لأنك لن تجني من الطالحات ما تجني من الصالحات.