هتان القامتان هما دولة الدكتور عبدالسلام المجالي ودولة السيد مضر بدران رحمهما الله ،فقد اثار رحيل كل منهما احزانا واشجانا مضاعفة عند الأردنيين ،ولهذه الاحزان أسباب كثيرة، أولها أن هذا النمط من رجال الدولة صار عملة نادرة حتى لا نقول مفقودة،وهو نمط من الرجال كان ينظر إلى المواقع التي يشغلها على أنه تكليف لا تشريف ،لذلك كانوا يوظفون مواقعهم لخدمةالناس ،والاقتراب منهم،والاهتمام بتفاصيل معيشتهم ،كما كانوا يقلقون لهموم الناس خاصة الفقراء , لذلك كانوا يأكلون من أكل سائر الناس ويتكلمون بلهجتهم ويحسون بواجعهم.
واهتمام هذه الطبقة من رجال الدولة بالناس واحتياجاتهم هو الذي منعهم من أن يبنوا بينهم وبين الناس حواجز وجدر من السكرتاريه والمرافقين،كما كانت علاقتهم بالناس واضحة وشفافة وصريحة مهما كانت هذه الصراحة مؤلمة وقاسية، لذلك ولصدقهم وصراحتهم حازوا على ثقة الناس واحترامهم.
ومن باب إيمانهم بأنهم يشغلون مواقعهم تكليفا لا تشريفا فقد انصرف هؤلاء الرجال إلى الانجاز الحقيقي، لذلك إذا راجعت تأريخ تأسيس المؤسسات الكبرى في الأردن من جامعات وصروح طبية وبنية تحتية،ستجد أن جلها تم في عهود وصفي التل وعبد السلام المجالي ومضر بدران،الذين أحسنوا ترجمة رؤى قيادتم وتجسيدها بمؤسسات صنعت تطور الأردن ،وخدمة الأردنيين ، ففي عهد وصفي التل أسس التلفزيون الاردني ،والجامعة الاردنية ومستشفاها، ومحطة الاقمار الصناعيه وسد الملك طلال وقناة الغور الشرقية،والطريق الصحراوي . .الخ ،وفي عهد مضر بدران انشأت ثلات جامعات وانشأت صوامع الحبوب،وتم احياء شركة البوتاس العربي...الخ،اما عبدالسلام المجالي فهو من طور الخدمات الطبية الأردنية،واسس مدينة الحسين الطبية،وهو من طور الجامعة الأردنية بعد أن شارك في بلورة فكرة تأسيسها....الخ.كما اهتم هؤلاء اهتماما خاصا بالأمن الغذائي للاردنيين من خلال الاهتمام بالزراعة واستصلاح الأراضي الزراعية.
ولأن الإنجاز كان هم هذه الطبقة من رجال الدولة ،ففد كانوا يحسنون اختيار الرجال الذين يعملون معهم بعبدا عن مفهوم الشللية،واحكام المناطقية والجهوية،فكانت الكفاءة هي مقياس اختياراتهم، لذلك يحزن عليهم الأردنيين حزنا مضاعفا ،و يترحمون عليهم.