يدرك الكثير من المهتمين بالشأن السياسي في الأردن، أن هناك عددا من الأحزاب لديها قيادات حزبية لا ترتقي لخدمة الشأن العام، ولديها برامج يصعب تنفيذها ولا تتناسب مع إمكانيات الدولة الأردنية، لذلك ينبغي على هذه الأحزاب السياسية اختيار منتسبيها بعناية بما يصب في خدمة المصلحة العامة للحزب ، وأن تنظر هذه الأحزاب إلى المستقبل بشكل جيد وأن توسع أفق تفكيرها بعيدا عن الانفرادية في صنع القرار ، وتضع برامج تنموية تلامس الواقع ، قريبة وبعيدة المدى تسهم في بناء الدولة بما يتناسب مع مقدرتها وإمكانياتها في حال وصولها إلى السلطة التنفيذية، لك تسير بالاتجاه الصحيح بما يخدم المصلحة العامة والوطنية.
إن التطورات السياسية على الساحة المحلية سريعة جدا كما هو حال الدول الأخرى، الأمر الذي يستدعي وجود قيادات كفؤة في الأحزاب السياسية، وأن تكون على قدر عال من المسؤولية الوطنية حتى تتمكن هذه الأحزاب من الاستجابة السريعة مع الأحداث، بما يضمن استدامة الحياة بشكلها الطبيعي دون معوقات يلمس أثرها المواطن وتخفف من الأعباء الاقتصادية وغيرها على الوطن ، وكذلك لا بد من الأحزاب السياسية أن يكون موقفها واضحا وشفافا من مختلف القضايا والأحداث التي تعصف بالوطن من الداخل والخارج، و أن تقدم آرائها بما يحدث يوما بيوم وتكون عونا للوطن والحكومة في رسم السياسات واتخاذ القرارات.
إن اختيار القيادات الحزبية بالطرق التقليدية بعيدا عن الطرق الديمقراطية ، يخالف مبدأ الديمقراطية الذي هو أساس العمل الحزبي في الدول المتقدمة ، حيث يتم انتخاب قيادات الأحزاب بالطرق الديمقراطية ، من خلال التنافس الشريف المبني على الكفاءة والمقدرة العملية والعلمية من باب ، ومن باب آخر المناظرات والحوارات السياسية بين المترشحين أمام قواعدهم الانتخابية لعرض برامجهم وأفكارهم ، حتى يتسنى اختيار الأفضل صاحب البرامج والخطط الواقعية التي تلامس هموم الوطن والمواطن وإمكانية تنفيذها بما يضمن إحداث تنمية شاملة ومستدامة .
إن وجود أحزاب سياسية برامجية قوية مطلب شعبي ورسمي لبناء دولة قوية قادرة على مواجهة كافة التحديات والصعوبات، وهذا يتطلب بناء ديمقراطي لأحزاب قوية، تعمل بقالب واحد بعيدا عن شخصيات قيادة الحزب التي قد تكون مؤثرة في فترة زمنية محدودة، وقد تغيب عن المشهد لأي سبب من الأسباب، فلذلك وجب على الأحزاب أن تسعى إلى بناء تنظيماتها بشكل جماعي ومؤسسي ولا يعتمد على مصير شخص أو أشخاص من أصحاب الكفاءة والخبرة، وإن العمل الحزبي يحتاج إلى بيئة تسودها الشفافية والمصداقية في التعامل ما بين كافة منتسبيه، بعيدا عن البيئة المضطربة والمبهمة التي تؤثر سلبا على ثقة المنتسبين بالقيادات التي هي من المفترض أن تكون المثال الذي يحتذى والقدوة الحسنة ولديهم الكثير من المعارف ومهارات التواصل والاتصال لرسم المشهد بما يليق بعمل الأحزاب، وبث الرسائل الإيجابية عن سير العمل بما يتناسب مع قدرات المنتسبين علميا وفكريا وثقافيا، وصولا إلى مرحلة الرضا لدى الجميع.
إن الأحزاب السياسية اليوم تواجه صعوبات كثيرة في بناء قواعدها الانتخابية بشكل أوسع، وذلك نتيجة الاعتماد على الطرق التقليدية باستقطاب الأعضاء من خلال الدعوات المباشرة لهم من قبل المؤسسين وأصحاب المراكز بهدف استدامة مراكزهم في الحزب على حساب الأفضل ، بينما في الدول المتقدمة تعتمد الأحزاب السياسية بشكل كامل على وسائل الإعلام في استقطاب أعضائها من المهتمين بالشأن السياسي ، وذلك من خلال اللقاءات الصحفية والإعلامية والتي يتم التركيز بها على أهمية الانتساب للأحزاب ودورها في بناء الأوطان ورقيها وازدهارها، وعرض الخطط والبرامج الواقعية التي تلامس هموم المواطنين، وطلب الدعم والتأييد لهذه الأفكار من خلال تمكين الحزب للوصول للسلطة التنفيذية.
في الحقيقية من الصعب الحكم المسبق على أي حزب قبل إعطائه الفترة الكافية لتنفيذ برامجه ، وتمكينه من بناء قاعدته الشعبية لكي ينمو ويصبح قادر ومؤثر وقوي وفعال ، ويسير في اتجاه التنمية الديمقراطية المستدامة ، من خلال وضع برامج واضحة ومفصلة وشاملة لكافة القطاعات ، والبحث عن طرق وحلول عصرية للتقليل من التحديات وتوفير فرص العمل ، للحد من الفقر والبطالة ، والتخلي عن الأفكار القديمة الانفرادية والاعتماد في رسم السياسيات وصنع القرار من الميدان ، وإقامة روابط حقيقية مع عامة الشعب لضمان حراك سياسي يشجع على التعددية واحترام وجهات النظر والتفكير النقدي .
الأمل موجود في وجود أحزاب سياسية برامجية قوية وعصرية، وذلك عندما يكون الوطن هو الهدف والغاية والوسيلة، والمطلوب منا جميعا أفرادا ومؤسسات أن نقف مع الوطن وندعم كل المساعي لإحداث تنمية شاملة ومستدامة ونصنع المستحيل لرقيه وازدهاره ورفعته ، فما نزرعه اليوم يحصده أبناؤنا وفلذات أكبادنا فلنخلص في العمل والبناء والتنمية والأردن يستحق الأفضل .