كنت برتبة نقيب على ما أذكر ، حين بدأ زميل لي عزيز يشكو من أنه متزوج من سنين طويله ، ولم يرزقه الله بطفل ، وتكلم أمامي بكلام المتمني من الله الخير ، ولن أنسى بعض كلماته التي كانت ترن كل الوقت بأذني :
والله يا حسين زرعت عدة مرات أنابيب ، وما زبطت ، ونفسي يكون عندي ولد يلملم أوراقي بعد ما أموت ، ويحمل إسمي ، نفسي ياحسين أرجع للبيت ومعي باكيت شيبس وشوكلاته لإبني مثل الناس ، نفسي أسمع صراخ في البيت غير صوتي أنا وزوجتي ، وكان قرأ أن أشهر بلد في زراعة أطفال الأنابيب هي دولة معينة وذكر أسمها () ، فكيف ياخوي رح اصلها ، والأمور صعبة جداً وهذا شبه مستحيل ، ويتابع ، حتى أني قررت أدهن سيارتي كي أبيعها وأحاول أزرع بالخاص مرة أخرى ، لعل الله يكًن معنا !
وغادر بعدها الموقع بهدوء ، وبقيت كلماته في أذني ، فما كان مني حينها إلا أن أترك موقع عملي هارباً ، وذهبت إلى مكتب الباشا الفريق محمد ماجد العيطان رحمه الله آملاً منه المساعده في ذلك ، وكم كانت عيونه تملؤها السعاده وأنا أقص أمامه المشكلة ، فقال توكل ع الله يا دكتور ، وحياة شاربك ما أقصر معاه ، وطلبت أن يكون الأمر سرا بيننا ، لأن زميلي لا يعلم بما أقوم به ، ووعد بذلك ، وغادرت.
وفي نفس اليوم ، وحتى أحبكها جيداً ؛ هربت من دوامي مرة أخرى إلى مكتب الفريق الركن م جمال الشوبكي ( أبوالفزعات ) ، وكان حينها عقيد قديم على ما أذكر ، ورحب كما عادته قائلاً:
هلا بإبن العم ، وكان وما زال بيننا وداً قويا ، فوضع فنجان القهوة أمامي ، ورفضت أن أشربه إلا إذًا لبى طلبي ، فقال ممازحاً ، خير يا دكتور ، بدك عروس جاهزين ؟! فقلت له قصة زميلي ، وكررت ما قلته سابقاً للمرحوم محمد باشا العيطان ، على أن يبقى ذلك سراً بيننا ، فقال :
إشرب قهوتك يا دكتور ، وإعتبر الأمر منتهي ، وإسمع ، ترى بكره الصبح جلالة الملك عبدالله جاي ضيف علينا عالدوام ، ورح اطلبلك شخصيا من سيدنا حاجة زميلك ، ورح أردلك خبر ، وشكرته وغادرت .
ثاني يوم ، الساعه ١١ صباحاً ، جلست عند الهاتف الأرضي مع زميلي والذي لا يعرف ما قمت به بالأمس ، ودار بيننا حديث عام ودردشات ، وأنا كل تفكيري شارداً ومنتظراً الرد من أبوماهر ، وفجأة قرع جرس الهاتف الأرضي ، فرد زميلي عليه والذي طلبت من أجله ، وهو يعرفه جيداً ، وكنت اسمع رده وهو يقول هلا باشًا ، هلا ابوماهر ، نعم الدكتور حسين موجود ( لم يخبر حتى زميلي بما قام به ) ، فمسكت السماعه ، وإذا به يقول : دكتور ، خلي صاحبك الي رد علي هسا يجهز حاله هو ومرته ويجهزوا أوراقهم للسفر ، طلبت من سيدنا شخصياً ذلك ، وشرحت له الموضوع ، فكان رد سيدنا : أن يسافر هو وزوجته على حسابه الخاص ويتم تقديم كل شيء لهم ، وسيتم الترتيب من قبل الديوان بذلك ، وطرت أنا فرحا ً ، وصديقي لا يعلم فحوى الحديث ، وشكرت الباشا أبوماهر على وقفته ، وأغلقت الهاتف ، وأخبرت زميلي بما قمت به ، ففرح كثيراً بذلك ، وشكرني حينها … والدموع تتطاير فرحاً ، والمهم ليس هذا ؛
المهم أن زميلي سافر مع زوجته ، وفي نهاية المطاف ، نجحت العملية كاملة ، وأنجبوا طفلاً ، وسموه ( محمد ) لأن هذا الإسم كان نذراً على والده …
والأجمل أن الياشا محمد العيطان رحمه الله ، والباشا جمال الشوبكي ( أبوماهر ) قاما بزيارة زوجة زميلنا بعد أن أنجبت طفلها ، وباركوا لها بذلك .
والآن ولله الحمد ، كَبُرَ محمد ، وأنهى دراسته الجامعية ، وأدخلوا هؤلاء القادة الكبار السعادة إلى قلوب الناس جميعا.
ما زلت وسأبقى حافظاً لهذا المعروف من قبل الباشا أبوماهر ، وهذا حقيقةَ موقف بسيط من مواقف متكررة كان يقف بها إلى جانبي وإلى جانب الجميع .
شكراً لك كل الوقت الحبيب الباشا أبوماهر ، ورحم الله رفيق دربك محمد باشا العيطان وأسكنه فسيح جنانه .
لا تنسوا أصحاب المعروف لديكم ما حييتم ، فلا ينسى المعروف غير الردي … هذه القصة أتوقع لها أكثر من ٢٣ عام ، وما زلت أكررها وأذكرها بين الناس .