القرآن في اللغة مصدر بمعنى القراءة قال الله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)، «سورة القيامة: الآيات 17 - 19»، ثم نقل من هذا المعنى وجعل اسماً للكلام المعجز الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وعند الأصوليين هو كلام الله تعالى المعجز المنزل على قلب سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته المبدوء بسورة الحمد المختوم بسورة الناس. ويقول الدكتور عبد الفتاح عاشور - أستاذ التفسير بجامعة الأزهر - القرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع وهو معجزة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبرى دل ذلك القرآن الكريم نفسه والسنة النبوية الشريفة وإجماع المسلمين، فقد دلت آيات القرآن الكريم على حجيته وأنه منبع النور والهداية قال الله تعالى: (. . . وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، «سورة النحل: الآية 89»، وقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا . . . ) - «سورة المائدة: الآية 48»، وقال تعالى: (. . . قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، «سورة المائدة: الآيتان 15 - 16». ودلَّت السنة النبوية الشريفة على حجية القرآن الكريم وجاء ذلك صريحاً في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - زيادة على السنة الفعلية حيث كان - صلى الله عليه وسلم - يطبق كل ما جاء به القرآن الكريم تطبيقاً صحيحاً ولا يحيد عنه ويوضح ذلك ما روي عن قتادة قال: سئلت عائشة - رضي الله عنها - عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كان خلقه القرآن أما السنة القولية الدالة على حجية القرآن الكريم فكثيرة منها عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم وإن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول لكم: الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف». حجية القرآن الكريم وأجمع الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعون من بعدهم والأئمة المجتهدون على حجية القرآن الكريم وأنه المرجع الأول للتشريع فقد روى الترمذي عن قبيصة بن ذؤيب قال: «جاءت الجدة إلى أبي بكر فسألته ميراثها فقال: مالك في كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس، فقال: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري، فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة فأنفذه لها أبو بكر، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر فسألته ميراثها، فقال: مالك في كتاب الله شيء ولكن هو ذلك السدس، فإن اجتمعتما فهو بينكما»، وهكذا سائر الأئمة المجتهدين، فإنهم يرجعون في أخذ الأحكام الشرعية إلى القرآن الكريم ولا يلجأون إلى غيره إلا عند عدم النص على الحكم الذي يبحثون عنه ونصوص القرآن كلها قطعية الثبوت، حيث إن ما نقل إلينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متواتر وهذا ما أجمعت عليه الأمة إلى يومنا هذا. النص قطعي الدلالة أما نصوص القرآن من جهة دلالتها على ما تضمنته من الأحكام فتنقسم إلى قسمين نص قطعي الدلالة على حكمه، ونص ظني الدلالة، والقطعي هو ما دل على معنى متعين فهمه ولا يحتمل تأويلًا ولا مجال لفهم معنى غيره مثل قوله تعالى: (. . . فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ . . . )، «سورة النور: الآية 2»، فهذا أيضا قطعي الدلالة على أن حد الزنى مئة جلدة لا أكثر ولا أقل. وأما النص الظني فهو ما دل على معنى، ولكن يحتمل أن يؤول ويصرف عن هذا المعنى ويراد منه غيره مثل قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ . . . )، «سورة البقرة: الآية 228»، فلفظ القرء في اللغة العربية مشترك بين معنيين الطهر والحيض والنص دل على أن المطلقات يتربصن ثلاثة قروء فيحتمل أن يراد ثلاثة أطهار ويحتمل أن يراد ثلاث حيضات ولهذا اختلف المجتهدون في أن عدة المطلقة ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار.