بعد مرور 41 يوماً إستغرقها مجلس الأمن الدولي ليصدر دعوة إلى هدنة إنسانية في غزة، وخلال تلك الفترة كان قتل المدنيين يتواصل ويتم بثه على الهواء مباشرة من دون تحرك دولي فاعل، ما دفع إلى إنتقادات عدة لأداء المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة خلال الأزمة، سواء من الجانب الفلسطيني والعربي الذي كان يأمل في أن يضغط المجتمع الدولي لحماية المدنيين من الصواريخ والقذائف أو حتى تسهيل دخول المساعدات، أو من إسرائيل ألتي لم يرضها حديث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول ممارسات الإحتلال، فدعته إلى الإستقالة وما زالت تشنّ حملة دبلوماسية لإبعاده من رئاسة أكبر منظمة دولية في العالم، ومنذ إندلاع الحرب على غزة في السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي، فشل مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى توافق بشأن وقف إطلاق النار، بعد إستخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض "الفيتو" لإحباط مشروع قرار يدعو لهدنة إنسانية في 18 تشرين أول/أكتوبر، وبعد ذلك بأسبوع إستخدمت روسيا والصين الفيتو لوقف مشروع قرار أميركي يرفض وقف إطلاق النار، في مؤشر إلى عجز الجهاز الأهم في النظام الدولي عن التحرك بسبب الإستقطاب بين أعضائه الدائمين، وخلال جلسة لمجلس الأمن في 24 تشرين أول/أكتوبر قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن إسرائيل قتلت بيئة السلام، وهي تدفع المنطقة كلها نحو حرب واسعة، مؤكداً أنها تجر المنطقة نحو الجحيم، فيما أعتبر وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أن عدم تحرك مجلس الأمن الدولي للتوصل إلى موقف موحد لوقف الحرب "لا يغتفر"، فيما حذر وزير الخارجية المصري سامح شكري من عواقب "العجز الدولي تجاه الأزمة الحالية"، مؤكداً أن التصعيد الحالي "يقود المنطقة إلى وضع خطير"، كما ندد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بصمت المجتمع الدولي في الوقت الذي يعاني فيه الشعب الفلسطيني تحت القصف والحصار، مشيراً إلى عجز مجلس الأمن عن إتخاذ قرار يوقف الحرب على غزة، وعلى رغم إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعو لوقف الحرب بغالبية ساحقة بلغت 120 دولة، إلا أن النظام الأساسي للمنظمة يعتبر قرارات الجمعية العامة لا تتمتع بالقوة الملزمة، ألتي تمتاز بها قرارات مجلس الأمن الدولي الذي يتألف من 15 عضواً، وفي اليوم الـ41 للحرب الهمجيه والبربرية على غزة، إعتمد مجلس الأمن الدولي الأربعاء 15 تشرين ثاني/نوفمبر قراراً يدعو لهدنة إنسانية عاجلة وممددة في قطاع غزة، وبعدد أيام كاف للسماح بوصول المساعدات الإنسانية، في قرار قدمته مالطا وحظي بموافقة 12 دولة وامتناع الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا عن التصويت، ورفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية القرار بعد دقائق من إعلانه، داعية المجلس إلى العمل على الإفراج عن رهائنها المحتجزين في قطاع غزة، ومع توالي الأنتقادات من كل جانب على المستويات الشعبية والرسمية، ظهرت تساؤلات حول ما إذا كانت حرب غزة ألتي غيّرت المشهد في الشرق الأوسط، قد تمتد تداعياتها إلى النظام العالمي ليكون أكثر فعالية في مثل تلك الأزمات، بخاصة أن الأمم المتحدة ألتي جاءت عقب أكثر الحروب دموية في التاريخ الحديث بهدف " منع الحروب مستقبلاً " تبدو الآن عاجزة ليس فقط في الحرب الإسرائيلية على غزة وإنما أيضاً في الهجوم الروسي على أوكرانيا وغيرها من النزاعات المسلحة، مما كان قد جعل الكثير يعرب عن عدم تفاؤله بتغير وجهة نظر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية مستقبلاً في التعامل مع الأوضاع في الشرق الأوسط عموماً وليس فلسطين وحدها، موضحاً أن التحركات المحدودة للمنظمات الدولية لردع أنتهاكات إسرائيل تلقى القبول لدى معظم الدول الكبرى في العالم، وكان مجلس الأمن عبر تاريخه كان قد فشل في كثير من الأحيان في إصدار قرارات ملزمة ضدّ انتهاكات بعينها، بسبب كونها تخدم مصالح الدول الكبرى ألتي من حقها إستخدام الأعتراض ووقف القرار، فخلال تسعينيات القرن الماضي كانت قد جرت محاولات لإصلاح النظام الدولي وجعله أكثر فاعلية، عن طريق منح عدد من الدول الفرصة لكسب العضوية الدائمة بمجلس الأمن، وكانت مصر ضمن المرشحين، إلا أن الدول الكبرى رفضت وفضلت الأحتفاظ بنفوذها وحماية مصالحها، وهكذا يكون قد تحول المجتمع الدولي ومنظماته إلى محافل دعائية كلامية من دون فعالية حقيقية على أرض الواقع، ففشل الأمم المتحدة في حماية المدنيين بقطاع غزة كان سببه الأساسي رضاء الدول العظمى وعلى رأسها أميركا وبريطانيا وفرنسا، وبخاصة أنه لا يوجد تصور لتغيير هذا الأداء مستقبلاً، لذا يبقى من المبكر جداً الحديث عن تغيير في بنية النظام الدولي متعدد الأطراف، وهكذا يكون النظام الأممي الحالي كشف سلبيته في كثير من القضايا، سواء حالياً في غزة وقبل ذلك في أوكرانيا والعراق وغيرهما، ما يحتّم تضامن جميع دول العالم لتغييره بنظام جديد أكثر عدلاً وإنسانية، كماأن النظام الحالي يمنح الحق لخمس دول فقط في عرقلة كل ما يتفق عليه العالم وقت ما اختلف مع مصلحتها، ولا نية لتغيير النظام العالمي الدولي من دون إرادة حقيقية للدول الكبرى، لذا يبقى القول بأن ما يمكن أن يهدم النظام العالمي القائم وينتج نظاماً جديداً سيكون حدثاً كبيراً يهزّ البشرية، مثل إندلاع حرب نووية بين القوى الكبرى، على غرار إنشاء الأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية، وفي السنوات الأخيرة كانت قد شهدت ضرب الولايات المتحدة بعرض الحائط المنظمات الأممية التي لا تسير وفق سياساتها، وتبقى إمكانية تغيير النظام الدولي الحالي وطريقة تعامله مع القضايا العالمية يعد بالأمر شبه المستحيل لأنه يتطلب موافقة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وفق النظام الذي وضع في أعقاب الحرب العالمية الثانية، خاصة وأن الدول الكبرى لن تقبل التنازل عن مزاياها بإرادتها، والقانون الدولي لا يسمح بالتغيير إلا بموافقتها جميعاً، وما حدث داخل جلسات مجلس الأمن والأمم المتحدة بشأن أزمة قطاع غزة أمر متوقع، في ظل الدعم الكبير الذي تتمتع به إسرائيل من دول العالم بخاصة أميركا، وأن أي تحركات لأجهزة الأمم المتحدة ترجع في النهاية إلى السلطة الأساسية ضمن أجهزة المنظمة وهو مجلس الأمن الدولي، الذي تغلب فيه الإرادة السياسية للدول دائمة العضوية، وحتى إنتقاد إسرائيل للأمين العام للأمم المتحدة يرجع إلى تمتعها بالدعم المطلق من جانب الولايات المتحدة ما يجعلها تجرؤ على إنتقاد أي مسؤول، ومن داخل مقرّ الأمم المتحدة في جنيف كان قد صرح وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بأن غوتيريش ليس مؤهلاً لقيادة المنظمة، مشيراً إلى أنه لم يفعل ما يكفي لإدانة حركة حماس، وأن غوتيريش " يجب أن يقول بوضوح وبصوت عال : حرروا غزة من حماس على غرار ما تقوله كل الأمم الحرة "، ويأتي ذلك إستمراراً لأنتقادات إسرائيلية حادة لغوتيريش منذ جلسة مجلس الأمن في 24 تشرين أول /أكتوبر حين قال الأمين العام إن هجمات حماس في السابع من تشرين أول/أكتوبر لم تأتِ من فراغ ليردّ عليه وزير الخارجية الإسرائيلي بالقول في أي عالم تعيش، وأعقبت ذلك مطالبات له بالأستقالة من جانب مسؤولين وسياسيين إسرائيليين، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة أين هو دور العرب ..؟ أين هم العرب في هذا المجلس ..؟ طبعا كمراقب أقول وجودهم وعدم وجوهم يبقى نفس الشيئ، وغزة وشعبها العظيم ليس لك إلا الله والمقاومة البطلة .