أكثر ما يوجعني في بيوت عزاء العسكر أن لا أعرف أيُّ شقٍ من قلبي أرقع وأي الندوب ستغلق ؟ أأُرقع بدلته الباقية بدموع والدته أم سكون وتجبر والده وعيون أطفاله التي تترقب وتختزل هذا الموقف المشهد والشاهد الأخيرا عمرا ووجعا وفقدا وفخرا ؟!!!.
يعزّ علينا جدا أن نحتفظ بدرس النهاية هذا الدرس الذي يعلم أجيالنا وأجيال اللاحقين أن كل غاية أقل غائية وسموا أمام مفهوم الشهادة وأن هذا الموت وإن كانت اليد غاشمة آثمة لكنه موت استثنائي ومنحة ربانية لا ينالها إلا الأعلون ورفاق الأنبياء والصديقين وأن تلك البدلة التي تحيطها والدة بعين دامعة ذابلة زاهدة لكنها منارة ومسارا ترسم للأبناء والأحفاد خارطة ونموذج وتجربة طاهرة تجربة رجولية تصنع تاريخا لشعوب حرة تأبى أن تكون من المتولين يوم الزحف والمواقف المخزية .
الجموع التي نراها تشيع الشهداء هي ذاتها تلتلف حوله وتطلق الرسالة التي تعني أن كل اغتيال حياة لجندي في وطني هو اغتيال للضياء في مدننا وقرانا وبوادينا ولو كان بوسعهم وبوسعي لدعوت رفاق السلاح والدرب لفتح النعش وكشف الكفن الذي رفعوه عاليا فوق أكتافهم لرفع يده لتؤدي ذات اليد التي تضغط فوق الزناد تحية العسكرية للوطن فهذا جنديا حاميا للأرض والسماء ليس عابر سبيل عن دروب الوعي والحق بل غائبا مقابل الوطن وحاضرا يقرع أجراس الكرامة وينذر كل من يحاول اقتراب الحدود فكل حدودنا وحدود الوطن محرمة والمساس بها ثمنه الموت .
وفي الختام لا أريد سوى ترقيع ذاكرتي لتبقي الأنقياء والشرفاء وقامات الوطن وهاماته الفعلية ؛ فعلا لا أريد سوى جميل السيرة والأثر الشهداء والجنود فقط