بدأت فرنسا تحميل اليورانيوم في أقوى مفاعل نووي في البلاد تمهيدًا لانطلاق العمل به، وهو مشروع تخللته صعوبات خلال 12 عامًا، إلى جانب تكلفته الباهظة.
ويرى نشطاء ومراقبون أن المشروع الواقع في مدينة فلامانفيل شمال غربي فرنسا، والمحفوف بالصعوبات، سيتكبد ميزانية ضخمة.
ووفق "شركة كهرباء فرنسا"، فإنها ستواصل عمليات التشغيل والمراقبة والاختبار، على مدار عدة أشهر، بالتعاون الوثيق مع (هيئة السلامة النووية) وتحت سيطرتها.
وخلال الصيف سيتم حقن الإلكترونات الأولى في الشبكة، إذ تعد هذه الخطوة الجديدة حاسمة في التشغيل التدريجي لأقوى مفاعل نووي فرنسي بقدرة (1600 ميللي فولت).
وبحسب الشركة، يجب أن ينتج المفاعل 100% من طاقته فقط بحلول نهاية العام، وحتى ذلك الحين، ستظل هناك 3 آراء مطلوبة من "هيئة السلامة النووية"، قبل بدء التفاعل النووي.
وكانت هيئة السلامة النووية أعطت الضوء الأخضر، الأسبوع الماضي، أي بعد 6 آلاف يوم بالضبط من وضع أول الخرسانة في المبنى النووي، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2007.
وبمجرد حصولها على ترخيص من هيئة السلامة النووية، بدأت شركة "كهرباء فرنسا" تحميل الوقود في مفاعلها النووي الجديد في فلامانفيل، وكانت تلك الخطوة الأخيرة للبدء بتنفيذ مشروع وصف بالكارثية.
وبدوره، قال نائب مدير عام هيئة السلامة جوليان كوليه، إن عملية التصديق على القرار من قبل "هيئة السلامة النووية تستغرق عدة أسابيع".
وتتكون العملية من نقل 241 مجموعة وقود من حوض التخزين إلى قاع وعاء المفاعل الذي يبلغ ارتفاعه 10.6 متر، ومن المخطط ربط وحدة الإنتاج بشبكة الكهرباء الوطنية في صيف 2024.
صعوبات ومشاكل المشروع
وفي الوقت الذي ترغب فيه الحكومة الفرنسية في بناء ما يصل إلى 14 مفاعلاً في فرنسا، فإن هذا التحميل يعد خطوة رئيسة لشركة كهرباء فرنسا والقطاع بأكمله الذي يريد طي صفحة مشروع شاق مدته 17 عامًا، تتخلله مشاكل بناء متعددة.
ومن جانبه، قال جان تشارلز ريسبيك، الرئيس السابق للسياسة الصناعية في اللجنة الإقليمية لـ"سي.جي تي" في فرنسا في تصريحات، إن المشروع بدأ، في العام 2007، وتعرّض للعديد من التقلبات، منها: عيوب في الخرسانة، وشذوذ في تركيبة فولاذ الخزان والغطاء، وحادث مميت، واكتشاف انحرافات في الجودة على بعض اللحامات.
وأضاف ريسبيك : "ناهيك عن التكاليف الإضافية الهائلة، فإن التكلفة الإجمالية تقدر بـ 13,2 مليار يورو، بحسب شركة كهرباء فرنسا، أي 4 أضعاف التقدير الأولي البالغ 3.3 مليار".
ورأى أن بناء تلك المحطة كانت تحت التوتر المستمر، موضحة أن هذه الاختلالات المتعددة في بناء محطة فلامانفيل، كان نتيجة تراجع الصناعة في فرنسا.
دوافع سياسية
ومن جهتها، حذَّرت شبكة "Exit Nuclear" في بيان من التسريع في خطوات تنفيذ المشروع، بدافع من القضايا السياسية وليس الفنية، موضحة أنه يمكن تفسير هذا التكليف المتسرع برغبة الحكومة في إثبات أن مشروع المحطة الفرنسية يمكن أن ينجح".
وكان الرئيس الفرنسي أعلن، في فبراير/شباط 2022، من خلال إطلاق برنامج بناء المفاعل الجديد الذي يهدف، إلى جانب الطاقات المتجددة، إلى ضمان إمدادات الكهرباء في فرنسا والمساهمة بتحقيق الحياد الكربوني، أن أقوى مفاعل نووي فرنسي سيرى النور أخيرًا.
وقال إيمانويل ماكرون آنذاك: "يجب علينا أن نلتقط خيط المغامرة الكبرى للطاقة النووية المدنية في فرنسا.
بدوره، رحَّب خبير الطاقة في شركة "كولومبوس" للاستشارات نيكولاس جولدبرج، بهذه الخطوة ، قائلاً: "إنها مصدر ارتياح كبير للجميع، وهذا يعني أننا سنكون قادرين على تحميل الوقود، وإجراء اختبارات التشغيل، والتفكير في إنتاج الكهرباء بحلول الصيف".
واعتبر جولدبرج أنها ستمثل بداية حقبة جديدة لـ الطاقة النووية في فرنسا، مضيفًا أن "العثور على عامل لحام صناعي، ووجود مزود خدمة يصب الخرسانة بشكل موثوق به بما فيه الكفاية للصناعة النووية، لم نعد نعرف كيف نفعل ذلك. لقد كان هناك تأخير كبير بسبب ذلك".
مخاوف من العقوبات الروسية
ولدى سؤاله خلال مؤتمر للشركة الفرنسية للطاقة النووية، أوضح جان ميشيل كويليتشيني، مدير قسم الوقود النووي في شركة "كهرباء فرنسا"، أن المجموعة ستواصل "احترام العقد" المبرم، في العام 2018، مع شركة "تنكس"، وهي شركة تابعة لروساتوم الروسية.
وأضاف كويليتشيني أنه إذا كانت الشركة النووية الروسية العملاقة متورطة بشكل مباشر في احتلال محطة توليد الكهرباء في زابوريزهيا الأوكرانية، الأمر الذي أثار المخاوف من وقوع حادث نووي، فإن القطاع الذري هو واحد من القطاعات القليلة التي أفلتت من أي عقوبات أوروبية.
وتابع: "شركة كهرباء فرنسا جزء من الموقف السياسي الفرنسي، ولا يوجد سبب مشروع لمقاطعة العقد الذي يعمل".