أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بليلة؛ المسلمين، بتقوى الله -سبحانه وتعالى- بالإكثار من الطاعات، فالحياة الدنيا متاعٌ، وإن الآخرة هي دار القرار.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها، اليوم، بالمسجد الحرام: إن الله اصطفى من أيامه أوقاتاً وأزماناً، واختار من أكوانه بقعة ومكاناً، فشاء -سبحانه- بعلمه وأراد بحكمته، أن يجعل مكة المكرّمة خير البقاع عنده، وأكرمها عليه، وأحبها إليه، فعن عبدالله بن عدي بن حمراء، قال: رأيت رسول الله واقفاً على الحزورة (هو اسم موضع بمكة كان به سوق)، فقال: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت» أخرجه الترمذي وصحّحه.
وبيّن أن مكة المكرّمة، تاريخ وذكرى، سيرة ومسيرة، جعل الله فيها أول بيت وُضع للناس في هذا الوجود، يؤمونه للعبادة والنسك من شتى بقاع الأرض فتحصل فيه من الفضائل مجتمعة ما لا يوجد في غيره إلا مفرقا: البركة، والهداية، والآيات، والأمن، والأمان، والإيمان، فتبارك الله ربنا الرحمن، فلقد عظّم الله بلده الحرام، ورفع ذكره وأسمى له المقام، هي أم القرى، ومقصد وجوه الورى، حرّم -جل وعلا- الاقتتال فيه إلا على البادي الباغي. ذلك أنه موطن العبادة، وموئل البشر والسعادة، إليه يثوب الناس، وحول كعبته يطوفون، وعنده يركعون، وبه يسجدون، فيه يأمنون على أرواحهم، ودمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، فالأمن والأمان من أعظم سماته، وأشرف ميزاته يُساق إليه الرزق انسياقاً، وينصب عليه الخير انصباباً، في مكة بئر زمزم، وغار حراء، وغار ثور، بها نزل القرآن، فخاطب الله به القلوب قبل الآذان، وأحيا به الأرواح قبل الأبدان.
وأكد "بليلة"؛ أن مكة بلد حرام، شرّف الله قدره، وأعلى سبحانه ذكره، وخصّه بفضائل وأحكام تُصان بها هذه المكانة، وتحفظ بها حرمة البيت ومكانه، فألزم قاصديه بعمرة أو حج بالإحرام له، والتجرُّد من الثياب والزينة للدخول إليه، عند مواقيت مكانية، على بعد أميالٍ منه، نصبها -جلّ وعلا- على لسان رسوله، تهيئة واستعداداً، وتشريفاً له وانقياداً، ولا يحل استقباله بغائط ولا بول، ولا يقطع نبته الذي نبت فيه بنفسه، ولا ينفر صيده، ولا يختلى خلاه، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن النبي قال عام الفتح: «إن الله حرّم مكة، فلم تحل لأحدٍ قبلي، ولا تحل لأحدٍ بعدي، وإنما أُحلت لي ساعة من نهار، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف. وقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر، لصاغتنا وقبورنا؟ فقال: إلا الإذخر». قال البخاري -رحمه الله-: وعن خالد، عن عكرمة، قال: هل تدري ما: «لا ينفر صيدها»؟ هو أن ينحيه من الظل ينزل مكانه. يريد: أن يزيح الصيد عن مكان الظل؛ ليستظل به العبد مكانه. وإذا كان هذا حظ البهائم من الأمن في بلد الله الحرام، فكيف بالإنسان الذي كرّمه الله وفضله على سائر الحيوان؟! الصلاة فيه بمائة ألف، والثواب فيه مضاعف، فعن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه» أخرجه أحمد وغيره وأصله في الصحيحين.
وأردف بالقول: فيا مَن أكرمهم الله بسكناه، ووفقهم لزيارته ورؤياه، اعرفوا لهذا التكريم فضله وقيمته، واستشعروا لهذا الاصطفاء عظمته ومنّته، واشكروا الله على ما خصّكم به دون غيركم من العباد، فبالشكر تدوم النعم وتزداد، فطُوبى لمَن استحضر شرف مكة، وحفظ فيها جوارحه وصان لسانه وفكه، وبُشرى لمَن أوفى لهذا الحرم حرمته، وقدّره حق قدره، وحفظ مكانته، وانتهى فيه عن كل مأثم، ولم يظلم فيه ولم يؤذِ ولم يخاصم.
وأشار خطيب الحرم المكي، إلى أن ما نراه اليوم للعيان ظاهرٌ، ولا يجحده إلا حاسدٌ أو مكابرٌ، من نعمة الأمن والأمان، والخير والاستقرار، الذي تنعم به بلاد الحرمين الشريفين لهو دليلٌ لما اختصه الله -جلّ وعلا- به لتكون قِبلة للمسلمين، ومهبط الوحي، ومنبع الرسالة، ومن ذلك أن جعلها تحت قيادة رشيدة، وحكومة سديدة، تقضي بالحق وبه تعدل، وتحكم بشرع الله وبه تفصل، وبما سخّره لها من رجال أمن أشداء، أقوياء أمناء، يحمون حماها، ويذودون عن أرضها وسماها، وكذلك ستبقى -بإذن الله تعالى-، بقيادتها وسيادتها وريادتها ولحمتها، رغم أنوف أعدائها، فمن حاول النيل منها، كان السوء به أعجل، والشر إليه ألحق وأميل.
وأضاف، أنه مع اقتراب موسم الحج، الذي هو ركنٌ من أعظم أركان الإسلام، وشعيرةٌ من شعائر الله العظام، فإن الدولة تعمل جاهدة على تنظيمه وتسييره، بما يحقّق أهدافه الشرعية ومقاصده المرعية، من عبادة الله وحده لا شريك له في أمنٍ وأمانٍ، ومن ذلك ما وضعته من اشتراط التصريح لأدائه، إعمالاً لمقاصد الشريعة الإسلامية، لتحقيق المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، من حفظٍ للأرواح والأموال والمرافق، وتسهيل السبيل وتذليله، وفي الحج بلا تصريح مخالفة ظاهرة لولي الأمر، ومعارضة صريحة لنصوص الكتاب والسنة، التي تأمر بطاعته، فمَن خالف أمره، فهو آثمٌ، وعليه تبعته، ويؤاخذ بجريرته؛ لما يترتب على ذلك من أذيةٍ وضررٍ للمسلمين وأما مَن تعذر عليه استخراج التصريح، فإنه في حكم غير المستطيع.