خلال الأيّام القليلة الماضية، فجّر مقاومون عبوات ناسفة كبيرة الحجم في مركبات عسكريّة إسرائيليّة بمدينتي جنين وطولكرم شمال الضفّة الغربيّة وأوقعوا قتلى وجرحى في صفوف الجيش الإسرائيليّ، بينما قنص مسلّحٌ فلسطينيٌ اليوم مستوطنا إسرائيليّا قُرب مستوطنة براخا المحاذية لمدينة نابلس.
ويرى محلّلون فلسطينيّون ووسائل إعلام عبريّة أنّ مثل هذه الهجمات، التي تحاكي بعض الشيء تكتيكات يتّبعها مسلحون في قطاع غزة الفلسطيني ضمن الحرب الدائرة هناك منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي، تتصاعد وتيرتها وتمثل تطوّرا نوعيّا في الضفّة.
واعتبرت القناة (14) الإسرائيليّة في تقرير مُتلفَز أنّ منطقة شمال الضفّة الغربية أصبحت منطقة حرب؛ فبعد عدّة أيّام من مقتل جنديّ إسرائيليّ وإصابة 17 آخرين في جنين إثر انفجار عبوّة ناسفة، وقع حدثٌ مماثلٌ في مخيّم نور شمس بطولكرم الاثنين الماضي.
وتعتمد المجموعات الفلسطينيّة المقاتلة في قطاع غزّة على العبوات الناسفة وحقول الألغام والكمائن وعمليّات القنص والصواريخ المضادة للدبّابات في ما يُشبه حرب العصابات، حيث يخرُج المقاومون من أنفاق من تحت الأرض ويستهدفون القوّات الإسرائيليّة ثمّ يعودون أدراجهم.
وقد نجحت هذه التكتيكات حتّى الآن في الحيلولة دون نجاح إسرائيل في تحقيق أهدافها المُعلنة المتمثّلة في إسقاط حُكم حركة حماس والإفراج عن محتجزيها في قطاع غزة.
تنامي التهديد
وتعلّم المقاومون في مدن ومخيّمات الضفّة الغربيّة من هذه التكتيكات، حيث باتوا لا يواجهون الجيش الإسرائيليّ بشكل مباشر، بل يعمدون إلى نصب الكمائن وزرع العبوات الناسفة بأساليب جديدة وعلى عمق كبير لتفادي اكتشافها باستخدام الجرّافات الإسرائيلية التي تمشّط الأرض أمام القوّات الراجلة والمركبات العسكريّة.
وأشارت صحيفة (يديعوت أحرونوت) أمس إلى تصاعد تكتيكات المقاومين الفلسطينيّين في الضفّة، حيث ذكرت في تقرير أنّ "هذه الكتائب والمسلّحين النشطين فيها يطوّرون قدراتهم باستمرار".
أضافت أنّ قوّات الأمنْ الإسرائيليّة نفّذت "عشرات العمليّات كجزءٍ من الحرب على هذه الظاهرة. واليوم، يُظهر هؤلاء النشطاء جرأة أكبر لمواجهة القوّات في وضح النهار، على عكس الماضي حيث كانوا يهربون من القوّات التي تدخل المنطقة".
ووفقا للصحيفة، فإنّ بيانات أجهزة الأمن الإسرائيليّة تشير إلى ارتفاع تهديد العبوات الناسفة، حيث جرى إحباط حوالي 500 هجوم كبير في الضفّة الغربية والقدس منذ بداية عام 2024، منها حوالي 350 عمليّة إطلاق نار وحوالي 140 هجوما بعبوات ناسفة، مقارنة مع إحباط 1032 هجوما منها 121 بعبوات ناسفة في عام 2023 بأكمله.
ويرى المحلّل السياسيّ الفلسطينيّ الدكتور بلال الشوبكي أنّه "إذا صحّت مثل هذه التقديرات، فهذا يُعطينا مؤشّرات على أنّ السياسة التي مورست في الضفّة الغربيّة من قبل المستوى الأمنيّ الإسرائيليّ لم تؤدّي إلى نتائج ملموسة، بل إنّ المزيد من التضييق والمزيد من الهجمات على المناطق الفلسطينيّة أدّى إلى تزايد مثل هذه الحالات".
ظرف أمنيّ مختلف
ويضيف الشوبكي: "في المقابل، هناك قراءة أخرى يُمكن استدعاؤها حول تلك التقديرات والتسريبات التي تُنسب إلى جهات أمنيّة إسرائيليّة، وهي أنّ جزءا منها قد يكون محاولة لتبرير أو تسويغ هجمات القوّات الإسرائيليّة المتكرّرة في مناطق بالضفّة الغربيّة".
تُستَشفّ هذه القراءة من تصريحات كثيرة للمستوى السياسيّ الإسرائيليّ حول أنّ الضفّة الغربيّة أصبحت بحاجة إلى تعامل أمنيّ مختلف "هو مزيد من التضييق في الضفة الغربية" بحسب ما قاله الشوبكي في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP).
أَضاف "القول بأنّ هناك محاولة للتقليد ربما تكون من حيث المبدأ؛ لكن من حيث الإمكانيات والمقدّرات، فإن المسألتين مختلفتان بحكم طول التجربة الموجودة داخل قطاع غزّة والإمكانيّات المختلفة والظرف الأمنيّ المختلف في الضفّة الغربيّة، بالإضافة إلى المقدّرات المحدودة جدّا مقارنة بمقدّرات قطاع غزّة".
وتابع "لذلك، فإن كان هناك نوع من التشابه، فربما يكون التشابه من حيث المبدأ في إمكانيّة استخدام هذا النوع من التقنيات؛ لكن من حيث النوع، ومن حيث حجم استخدام هذه التقنيات، فهذا أمرٌ مرتبطٌ بحالة الضفّة الغربيّة".
ولا يعتقد الشوبكي أنّه "في هذه المرحلة، أو في السنوات القليلة القادمة، يُمكن أن تكون الحالة في الضفّة الغربيّة شبيهة بالحالة في قطاع غزة، لأنّ هناك تقديرات أخرى نُشرت عبر وسائل إعلام إسرائيليّة بإمكانيّة أن يكون هناك تقليد حتّى على مستوى الصواريخ، وهذا برأيي أمرٌ مستبعدٌ في ظلّ الحالة الأمنيّة الموجودة في الضفّة الغربيّة والحالة التنظيميّة للفصائل".
قُدرات تتنامي تحت الضغط
يوم الخميس الماضي، نصب مقاومون كمينا مزدوجا على مشارف مدينة جنين؛ ووفقا للتحقيق الذي نشره الجيش الإسرائيليّ، فإنّ عبوتين ناسفتين دُفنتا على عمق متر ونصف المتر تحت الأرض، وعندما انفجرت العبوة الأولى سارعت دوريّة إسرائيليّة للمساعدة ففّجّر المقاومون حينها العبوة الثانية عن بعد ما أدّى إلى مقتل ضابط وجرح جنود آخرين.
وكان المسلّحون الفلسطينيّون في الضفّة يعتمدون في السنوات الماضية على ما تُسمّى "الأكواع" وهي قنابل محليّة الصُنع غير فعّالة ضدّ المركبات العسكريّة الإسرائيليّة المصفّحة والمحصّنة؛ لكنهم تمكّنوا في الشهور الماضية من تطوير عبوات ناسفة شديدة الانفجار قادرة على الفتك بالمدرّعات والجرّافات.
ويقطّع الجيش الإسرائيلي الضفة الغربيّة إلى كنتونات صغيرة من خلال الحواجز العسكريّة؛ كما يعمد بشكل شبه يوميّ إلى اقتحام البلدات والمخيّمات الفلسطينيّة لاعتقال وقتل المسلّحين الفلسطينيّين، فضلا عن تدمير البنى التحتية في المناطق التّي يقتحمها.