ما زلنا في ظلال حي الشجاعية، ومع بطل شهم من أبطالها، يقول عنه رفاقه: "نشهد الله أنه كان من المخلصين الثابتين الفاتحين يوم السابع من أكتوبر، وكان من المبادرين في استهداف الجنود في أكثر من موقع، أصيب بثلاث رصاصات في المعركة ولم توقفه عن مسيرة القتال، وعاد أقوى عزما، وأكثر ثباتا، ليقود قاطعا قتاليا مهما، يتقدم الصفوف، يضرب فيثخن، ويشتبك مع عدوه وجها لوجه".
تفاخر الشاباك اليوم بمقتله، فقد أذاقهم الموت الزؤام، كان -رحمه الله- من أوائل المقتحمين في السابع من أكتوبر، يفدي إخوانه بجسده، يتقدمهم أمام ضرب الرصاص والمدافع، ثم يعود للدفاع عن الشجاعية، لم يخرج منها طيلة 275 يوما مرابطا على بندقيته، يظهر في فيديو شهير في المعركة الأخيرة يمشّط شعره، وينثر عطره، قبل أن ينال شهادته بأبهى صورة، وعلى خير هيئة.
عبادة_أبو_هين، خامس إخوته الشهداء، الحافظ لكتاب الله، صاحب الصوت الندي، درس الشريعة وتخصص في الفقه المقارن، يجسد ما ذكره التاريخ في القصة الشهيرة أن ملك الروم أرسل أحد نصارى العرب ليأتيه بوصف أحوال المسلمين، فعاد إليه قائلا: "جئتك من عند قوم يصلّون الليل، ويصومون النهار، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، رهبان بالليل فرسان بالنهار"، قال القائد الرومي: "لئن كان هؤلاء القوم كما تزعم، وكما ذكرت لبطن الأرض خير من ظهرها لمن يريد قتالهم"، وهذا عبادة راهب الليل، فارس النهار، مجندل اسرائيل وجنودها.
يلحق عبادة باثنين من إخوته ارتقوا مشتبكين في هذه المعركة، واثنين آخرين (شقيقه وشقيقته) ارتقوا في حرب 2014، فتنعاه أمه صابرة محتسبة وهي تزف شهيدها الخامس، وكأني برسول الله وهو يبشر أم حارثة: "يا أم حارثة إنها ليست جنة، لكنها جنان، وإن حارثة قد أصاب الفردوس الأعلى".
يلحق "عبادة الصامد" بسيدنا "عبادة بن الصامت" الذي سماه أهله على اسمه، شاهدا أننا ما زلنا على عهد رسول الله وصحابته، وأن غزة ما خانت عهد النبوة، ولا إرث الأقصى والمسرى، فهنيئا لك بشهادتك، وهنيئا لأمك الصابرة المحتسبة، وهنيئا لغزة بأبطالها، وللقسام برجاله.