مؤكد أن هناك عدة عوامل دفعت جو بايدن للانسحاب من سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية رغم إصراره على أنه المرشح الأجدر والقادر على مواجهة وهزيمة ترامب، إلا أن استطلاعات الرأي التي أكدت أن ترامب الأعلى والأكثر حظا، وما حدث لبايدن بعد المناظرة الأخيرة بينه وبين ترامب، وبعد أن ظهر أمام العالم والرأى العام الأمريكى أنه يُعاني من ضعف في اللياقة الذهنية والبدنية بما لا يؤهله لدورة رئاسية جديدة، وبعد واقعة اغتيال ترامب التي ساهمت بقوة لصالح منافسه ترامب، دفع الديمقراطيين إلى مراجعة حساباتهم وإعادة النظر من جديد، بل الضغط على بايدن للانسحاب والدفع ببديل، وهو ما ظهر بقوة في تصريحات أوباما وعدد من الكبار في الحزب الديمقراطى خلال الأيام الماضية.
لتؤتى هذه الضغوط ثمارها، وينسحب بايدن ويدعم كاملا هاريس، ويفرح ترامب ويتهم بايدن بأنه الرئيس الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، وأن هزيمته لـ"كاملا هاريس سهلة للغاية"، ثم يخرج الجمهوريون ويرفعون من سقف مطالبهم بأن الانسحاب لا يكفى وإنما لابد من استقالة بايدن من رئاسة الولايات المتحدة خلال مدته المتبقة التي تبلغ 6 أشهر، متهمين الديمقراطيين بالنفاق، فكيف يضغطون على بايدن للانسحاب لأنه غير لائق لرئاسة الولايات المتحدة لولاية ثانية ثم يدعمونه للبقاء رئيسا للولايات المتحدة 6 شهور في ظل توترات عالمية كبيرة.
لكن السؤال الذى يهمنا.. ما تأثير انسحاب بايدن على الحرب على غزة؟
أعتقد أنه انسحاب بايدن لن يكون له أثر على حرب غزة بشكل كبير، لأن السياسات الأمريكية ستكون في الأغلب والأعم هي نفس السياسات، لكن علينا أن نضع في الاعتبار عدة سيناريوهات ومتطلبات مرحلية، منها، أن "بايدن" قد يرى أن انسحابه كان بسبب انحيازه المطلق لإسرائيل وتورطه في دعم حرب إسرائيل على الشعب الفلسطيني، ما يجعله يُزيد من الضغط على نتنياهو لعقد صفقة تبادل أسرى لتحقيق أي نجاح للاتفاق الذى تبناه.
أو أن الديمقراطيين يقررون الضغط على نتنياهو للتهدئة، ولتنفيذ صفقة تبادل الأسرى، وذلك لاعتبارات الفوز بالانتخابات الأمريكية، وأن لا يكون موقفهم من حرب غزة سبب خساراتهم، ومن أجل تفويت الفرصة على ترامب في توظيف الحرب لصالحه، أو منعه من تحقيق نجاح في إنهاء هذه الحرب حال فوزه، لأنه تحدث وقال: إنه فور فوزه سيتم فرض السلام حتى ولو بالقوة، وفى نفس الوقت سيراعون اللوبى الصهيوني بمواصلة دعم إسرائيل واتباع سياسات تخدم إسرائيل حتى لا يتم خسارته في الانتخابات، ما يعنى هذا استمرار سياسة بايدن والديمقراطيين تجاه إسرائيل مع زيادة من الضغط على نتنياهو لقبول التهدئة حتى ولو تنفيذ مرحلة أولى فقط من الاتفاق الخاصة بتبادل المحتجزين.
لكن من الممكن أن تشهد العلاقات بين نتنياهو وبايدن توترا أكثر مما هى عليه الآن ما ينعكس على حرب غزة، لأن نتنياهو يرغب في وصول ترامب للحكم، وبايدن يعلم ذلك، وهو ما يٌزيد من احتمالية تفاقم التوتر بينهما خلال الشهور الستة المتبقة لبايدن، وتستمر العلاقة في حالة من الجذب والشد خاصة أن هناك حالة من عدم اليقين بشأن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بسبب التغيرات الطارئة والسريعة في الولايات المتحدة جراء ما يحدث من مفاجآت في سباق الانتخابات الرئاسية، وهو ما أكده تأجيل زيارة نتنياهو إلى الثلاثاء، وإلقاء كلمة أمام الكونجرس الأربعاء المقبل، وكذلك حالة الغموض حتى الآن بشأن هل نتنياهو سيجتمع مع بايدن كما هو مخطط له أم لا؟.
الشئ الآخر - الذى يجب وضعه عين الاعتبار - هو نتنياهو نفسه، لأن - اعتقادى - نتنياهو أدرك حالة عدم اليقين هذا التي تسيطر على الحياة السياسية في الولايات المتحدة، وأدرك أيضا أن بايدن غير راضٍ على شخصه بعيدا عن دعمه لدولة إسرائيل، وبالتالي نتنياهو سيتبع سياسة امتصاص غضب الديمقراطيين وبايدن خلال الأيام المقبلة خاصة أثناء تواجده في واشنطن والانتهاء من خطابه أمام الكونجرس، وما يعزز ذلك قراره بإرسال وفد للتفاوض الخميس المقبل، ثم يعود إلى سياساته القديمة التي تعتمد على المماطلة والمراوغة لإطالة الحرب حتى يأتي ترامب أو الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية.
نهاية .. من المؤكد أن انسحاب بايدن وارتفاع مؤشرات ترامب بالفوز بالانتخابات سيلقى بظلاله على حرب غزة، لكن علينا أن نعلم في النهاية أن دعم إسرائيل ثابت من ثوابت الخارجية الأمريكية بعيدا عن من يدير الولايات المتحدة، وهو ما يجب أن يفهمه المجتمع الدولى، ويفهمه الفلسطينيون خاصة، وكذلك العرب، فلا حلّ إلا بمواصلة الصمود الفلسطيني والاتحاد الفلسطينى وترتيب البيت الفلسطينى، وتواجد الإرادة العربية الموحدة وقتها فقط يكون الخلاص..