عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية فجر يوم الأربعاء الماضي، في العاصمة الإيرانية طهران، يتساءل المراقبون عمّن سيكون خليفته في رئاسة المكتب السياسي للحركة، وخاصة أن منصب النائب ظل شاغراً عقب اغتيال صالح العاروري في بيروت بتاريخ 2 يناير 2024.
فمهمة مجلس الشورى كما يبدو ستكون مزدوجة وشاقة بدلالة أنه لم يخلف العاروري أحدُ حتى الآن.
إذْ شاءت الأقدار أن ترتقي روح هنية إلى باريها في ظلِّ ظروف هي الأصعب، كانت قد شهدتها الحركة منذ تأسيسها عام 1987، خلال عملية إجرامية يقف وراءها نتنياهو، منتهكاً بذلك السيادة الإيرانية، ما استوجب من المرشد الأعلى الإيراني توعد "إسرائيل" بالرد الوازن كون الجريمة حدثت في قلب العاصمة طهران وراح ضحيتها ضيف كبير بوزن هنية.
وخاصة أن الجريمة حدثت بعد ساعات من اغتيال القائد في حزب الله فؤاد شكر، وهذا كثير وفق كل الحسابات الأمنية الإيرانية.
لقد أدّى اغتيال هنية -وهو قائد من العيار الثقيل لحركة مقاومة إستثنائية ومؤثرة- إلى خلط الأوراق الإقليمية خلافاً لما كانت تبشر به النوايا، كونه يرأس وفد حماس في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى التي تركت لمصير مجهول بعد عملية الاغتيال "الجبانة".
ومن جرائها تعيش "إسرائيل الآن" حالة قصوى من الاستنفار الأمني والعسكري المكلف مادياً ومعنوياً، ما أدّى إلى انتشار الخوف والهلع الشديديْن بين الإسرائيليين تحسباً من تهديدات محور المقاومة رداً على جرائم الاغتيالات الأخيرة وعلى رأسها تصفية هنية الذي خرج العالم الإسلامي في جنازته المهيبة حتى ووري الثرى في الدوحة .
وكأنه إجماع الأمّة على خيار المقاومة الذي تنتهجه حماس إلى جانب الفصائل الأخرى.
صحيح أن اغتيال هنية يشكل ضربة موجعة للشعب الفلسطيني برمته؛ لكن غيابه القسري عن المشهد لن يؤثر على الموقف العسكري الميداني لكتائب القسام في غزة، أما على صعيد سياسي، فسيتم تعويضه من خلال انتخاب رئيس جديد للمكتب السياسي ونائبه.
فحركة حماس ولّادة، وتمثل حركة تحرير وطني فلسطيني قدمت العشرات من قيادات صفها الأول شهداء، وتقودها مؤسسات داخل هيكلها التنظيمي، ولا يتوقف عمل هذه المؤسسات على اغتيال القادة سواء في الجناح السياسي أو في جناحها العسكري، والعمل جارٍ الآن على إيجاد خليفة للشهيد هنية.
فوفقاً لتصريحات بعض قادة حركة حماس عبر "الجزيرة" فإن مجلس الشورى المركزي كأعلى هيئة تشريعية في الحركة، لا يزال يمارس أعماله، كما تقوم اللجنة التنفيذية كأعلى هيئة سياسية في الحركة، بأعمالها في ظل هذا الظرف الاستثنائي العصيب، وسيتم إصلاح العطب السياسي الذي أحدثته عملية الاغتيال.
وتجري الحركة انتخاباتها العامة كلّ أربع سنوات، تنتخب خلالها مجلس الشورى وأعضاء المكتب السياسي الذين ينتخبون رئيس المكتب ونائبه بالإضافة إلى رؤساء المناطق الثلاث: غزّة والإقليم والخارج. ولا يحقّ لأي رئيس أو مسؤول داخل الحركة، البقاء في منصبه أكثر من ولايتين.
وكان مجلس الشورى العام لحركة حماس قد أعاد انتخاب إسماعيل هنية رئيساً للمكتب السياسي في أغسطس 2021، وشغل صالح العاروري قبل اغتياله منصب نائب الرئيس إضافة إلى منصبه في رئاسة إقليم الضفة.
ويشغل يحيى السنوار رئاسة الحركة في قطاع غزة، فيما انتخب خالد مشعل لتبوّء منصب رئاسة إقليم الخارج في أبريل 2021.
وهناك أنباء أولية، حسب ما نقلت مصادر لـ"القدس العربي"، تفيد بأنّ مجلس الشورى من المحتمل أن يعقد يوم غد الأحد، في حال لم تحدث أي ظروف أو عقبات تمنع ذلك، وستضع الحركة ترتيبات مخصصة تضمن مشاركة أعضاء المجلس من كافة مناطق التواجد سواء في قطاع غزة أو الضفة أو في الخارج لانتخاب خليفة لهنية ونائبه.
ويتم تداول بعض الأسماء المحتملة لشغل منصبي الرئيس ونائبه، عبر بعض المواقع الإخبارية أو ما يرصد من خلال الفضاء الرقمي، وذلك على النحو الآتي:
- خالد مشعل: ومن المحتمل أن يتم انتخابه لخبرته الطويلة في العمل السياسي وترؤسه للمكتب السياسي قبل هنية، وهو دبلماسي يوصف بالاعتدال النسبي.
- خليل الحية: ويعتبر من أشد مؤيدي خيار "الكفاح المسلح" لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين التاريخية.
- موسى أبو مرزوق وهو شخصية براغماتية، ويؤيد "وقف إطلاق نار طويل الأمد" مع "إسرائيل"، والقبول بحدود السابعة والستين، حدوداً للدولة الفلسطينية في سياق طرح لم تكتمل محدداته وعليه خلاف شديد داخل القيادة.
- يحيى السنوار وهو خيار صعب كونه يحيط تحركاته بمنتهى السرية.
وسيتعذر عليه السفر خارج القطاع ناهيك عن كونه مطلوباً لمحكمة الجنايات الدولية.
- زاهر جبارين: مدير الشؤون المالية لحماس والمقرب من هنية، ومسؤول عن توفير الدعم المالي وإدارة المصالح المالية للحركة في العالم، ويقيم في تركيا.
فالتداعيات متسارعة ويكتنفها المجهول حتى تتضح الرؤية في ظل غياب الشهيد أبي العبد رحمه الله.