تناثرت الكلمات، وباتت على جدار الصمت تلك الحروف النازفة، والوتر المقطوع الذي يهتز في تساؤل: كيف يمكن للعزف أن يستمر دون قيثارة، وكيف للحداق أن تكون دون دموع؟
أم أن الأيام مراوغة، مقاعدها دروس وأوراقها جدران، وأقلامها المتناثرة تبحث في تساؤل عن أحلامنا التي تُكتب لنقرأها، وعن الأيام التي تكتبنا وتقرأنا في حضور الألم؟ فالزمان دون زمان، والعمر مملوء بالجراح، والأيام حبلى بالأوجاع.
هناك من يتكئ بين السطور، لعلّه يغفو مع الصمت على صدر الحروف التي باتت تكوينها يخدش قصيدتها الباكية. وذاك القلم، الغافي على أرفف النسيان، في عالم أضاع حدود المعاناة، وأوراق الهوية التي باتت صورتنا وعنواننا في إطارها.
ومن الصمت، من له أن يتذكر؟ وإن تذكر شيئاً، فإن كل شيء بات في مهب الريح، وغياهب الزمان. لتضيع شعلة اليوم بين جدران الحياة، ويموت نبض الروح. لكنهم لم يعلموا، لم يدركوا أنهم لن يُميتوا فينا نزف الشريان. حتى تزهَر بتلات من أوصالنا، معلنةً عن تنهيدةٍ متمردة، تمردت على الصمت. صرخته بركان، وثورته إعصار، وحجارته تجاوزت صوت المدافع، وما زال زرعنا وبراعم أوصالنا تزهر على صدر الشمس.
ورغم غفوة الزمان، لتتحطم جدار الصمت. فصدحت أرواحنا صائحة: هنا أنا، هنا أنا موجود. فما زلت اليوم، وما زالت فينا الصورة والعنوان. فهاماتنا العنقاء وبوصلتنا الأيام في سِجالٍ مستمر، صرختنا صادحة وآهاتنا تجاوزت حدود الصمت حتى تفجّرت من شِفاه الأرض. ثورة البركان أنا الإنسان، أنا المتمرد على الموت في صمت، أنا الحقيقة المحفورة في الوجدان، أحمل على كتفي شهادة مولدي وعنواني.