مع اقتراب فصل الشتاء في عمان، تأخذ المدينة طابعا مختلفا تمامًا، حيث تتنفس الأرض هواء باردا وتتهيأ لاستقبال الزائر الأبيض الذي يزور شوارعها الجبلية في لحظات قليلة لكنها ساحرة.
الثلج في عمان ليس مجرد تساقط عادي للبلورات المتجمدة، بل هو حدث ينتظره الجميع بشغف، وكأن المدينة نفسها تأمل أن يغطى صخبها اليومي بذلك الهدوء النقي الذي يجلبه الثلج معه.
حين تبدأ أولى حبات الثلج بالانهمار من السماء، تتغير الوجوه في الشوارع وتتحول النظرات إلى الأعلى اذ تنسدل قطع الثلج الصغيرة كأنها رسائل من السماء تلامس الأرصفة وتبني طبقة بيضاء تكسو المدينة.
عمان، بعراقتها وجبالها التي تحيط بها من كل جانب، تبدو وكأنها تحتضن الثلج وتعيد تشكيل نفسها بيد الطبيعة. الجبال التي اعتادت على حمل حرارة الصيف تتحول فجأة إلى قمم ناصعة تعكس نور الشمس الخجولة في ساعات الصباح الأولى.
لا تقتصر فرحة الثلج في عمان على المظهر الخارجي للمدينة فقط، بل هو مشهد داخلي يتكرر في بيوت الناس، كما يجتمع أفراد العائلة حول المدفأة في ليال طويلة، يحتسون القهوة أو الشاي ويتبادلون الأحاديث والذكريات التي تملأهم بالدفء رغم البرد القارص في الخارج.
يصحب تساقط الثلج لحظات من التأمل الهادئ؛ إنه وقت للتفكير في رحلة العام الماضي واستقبال عام جديد بنظرة مليئة بالتفاؤل.
الأطفال في عمان يهرعون إلى الخارج مع أول إشارة لتساقط الثلوج يحملون سلالهم الصغيرة ويبدأون ببناء رجال الثلج. تمتلئ الأحياء بأصوات ضحكاتهم وكأن هذا البياض الذي يغمر كل شيء أفرغ القلوب من الهموم وملأها بالسعادة اللحظية.
يركضون يقذفون كرات الثلج ويتركون آثار أقدام صغيرة على الطرقات التي سرعان ما تختفي تحت المزيد من الثلج. هذه المشاهد لا تنسى، فكل طفل عاش في عمان لديه ذكريات محفورة في الذاكرة حول لحظات اللعب بالثلج، وكأنها جزء لا يتجزأ من الهوية الشتوية للمدينة.
أما الليل في عمان خلال تساقط الثلج ، فهو لوحة شعرية بحد ذاته. الضوء الخافت من مصابيح الشوارع ينعكس على الأرض المغطاة بالثلج، مما يمنح المدينة وهجا ناعما. الشوارع تكاد تخلو من المارة، وكأن الثلج يفرض على الجميع حالة من السكون والهدوء.
وفي تلك اللحظات، يشعر المرء بأن الزمن توقف، وأن عمان تحولت إلى مدينة من الأحلام، حيث كل شيء أبيض وهادئ، وكل صوت يكاد يكون همسًا.
الثلج في عمان ليس فقط ظاهرة طبيعية، بل هو فصل خاص من فصول المدينة، فصل يحمل معه مشاعر الحنين والشوق، ويغمر سكانها بشعور من الراحة والتجديد. إنه وقت التأمل والعودة إلى الذات.
وقت الاحتضان العائلي والصداقة اذ يجتمع الناس حول مصادر الدفء ويتركون الخارج يغرق في جمال الثلج الأبيض.