قبل أيام جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين يبعث برقية تهنئة إلى السلطة الفلسطينية بمناسبة مرور ٣٦ عام على إعلان استقلال الدولة الفلسطينية الذي أعلن في 1988/11/15 خلال انعقاد مؤتمر المجلس الوطني الفلسطيني ال 19 في قاعة الصنوبر في العاصمة الجزائرية الجزائر .
برقية بمثابة رسالة سياسية تعكس ما تتصف به الديبلوماسية الأردنية من الذكاء و الحنكة و الحكمة و الخبرة في انتقاء الوقت و التوقيت للخيارات الديناميكية الصحيحة و اعداد الحسابات الدقيقة في رسم الخطوات الحالية والمستقبلية للرد على ما كل ما يصدر من تصريحات و تهديدات أقل ما توصف بالغباء و العنجهية و انعدام الأفق و الرؤية السياسية ، عن قيادات الثكنة العسكرية الاسرائيلية اليمنية الدينية المتطرفة ، حول نية مخططات الضم لأراضي الضفة الغربية على أنها اراضي يهودا و السامرا و مشروع الهجرة القسرية لشعبها الفلسطيني الصامد من الغرب إلى الشرق نحو الاردن ، مستندين إلى أحكام ثقافتهم السامية الدينية التوراتية المتطرفة و اضغاث احلام و امنيات إقامة الدولة اليهودية فوق اراضي الدولة الفلسطينية التاريخية .
البرقية الأردنية بعثت برسالة سياسية عملية كرد على هذه الاماني و التصريحات ، ثم كرسالة تذكير للمجتمع الدولي الالتزام بجميع قراراته الصادرة عن مؤسساته الأممية سواء من الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي أو ما انبثق عن اللجنة الرباعية للسلام أو ما اتفق عليه في المبادرة العربية للسلام و غيرها ، التي جاء فيها و لم تغب أو تخلو من عبارات و جمل التأكيد و التأييد على حق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الخامس من حزيران و عاصمتها القدس الشرقية ضمن تسوية أو حل الدولتين .
هذه البرقية ترجمة عملية و اشتباك فعلي مع الواقع الذي يجب على المجتمع الدولي و المجتمع الغربي و الأمريكي الرسمي و الشعبي تقبله أن هذا الكيان العنصري ما هو إلا قوة احتلال لدولة فلسطين و عليه أن يتحمل مسؤوليته القانونية و الإنسانية و الاخلاقية ، التي وصفتها و اقرتها التشريعات و الأنظمة الدولية ، حيث إذا ما ثبت عدم امتلاكه لها وجب التركيز و الترويج لصورة هذا الكيان المتطرف على انه ما هو إلا ثكنة عسكرية فاقدة للشرعية و الأهلية و القيام بمبادرة أممية بالاعتراف بحق إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة .
التصريحات السياسية و تسريبات استراتيجيات الإدارة الأمريكية الحالية أو خطابات حكومة الثكنة العسكرية الاسرائيلية اليمينية المتطرفة ، التعامل معها يحتاج إلى مواقف صلبة و قوية بعيدا عن الانفعالات العاطفية و الشعارات الشعبية أو الردود المستندة إلى اساسات دينية ، كرد بالمثل لإثبات الندية بنفس العقلية ، والسبب هو نتائج التجارب السابقة الفاشلة لجميع أعضاء الحكومات الاسرائيلية السابقة و الحالية من المتدينين في اثبات قدراتهم على النجاح في ترجمة مقترحاتهم و امنياتهم و اطروحاتهم القائمة على الميثولوجيا التلمودية ، امثال سموتيرش و بن غفير ، و قبله ليبرمان و شارون و شامير وكلهم فشلوا و سيفشلوا ، حتى جورش بوش الابن الذي أعلن الحرب على العراق بمباركة تيار الانجلوساكسن الصهيوني ، فشل نعم هو دمر دولة و أسقط نظام ولكنه لم يغير تاريخ و لا ديمغرافيا و من قبله حروب أفغانستان و الجهاد المقدس.
الاردن بقيادته الهاشميه و شعبه العظيم يؤمنوا أن أفضل رد على هكذا عقيلة هو الواقعية و عودة روح التضامن و التصدي العربية والمنهجية في دراسة جوهر هذه العقلية و فلسفتها و تفكيك خطابها العنصري المتطرف السائد و رد الادعاء الصادر عنها ، باستخدام الحقائق و التوعية و الكشف و التعرية و عدم نكران الحقوق و التحذير من نتائج التمادي بأفعال و تبني السياسات المتطرفة التي ستنعكس عليها و على محيطها ، و تسهم في ردة فعل شعوب المنطقة و ادخالها في دوامة العنف والتطرف التي لا يمكن السيطرة عليها و التكهن بمدى تأثيرها على دولها ، لكن بدون شك أن الرابح و المنتصر فيها هو من يملك الحق و الشرعية و قدرة التضحية ، أما الخاسر هو من يعيش الاوهام ولا يعرف معنى التعايش و تبادل الاحترام و شراكة السلام .