القراءة هي مفتاح المعرفة وأحد أهم الأدوات التي تُستخدم لتنمية العقول وتوسيع الآفاق. إن تعليم الأطفال عادة القراءة في سن مبكرة، وخاصة في الصفوف الثلاث الأولى، يعدّ من أهم الاستثمارات التي يمكن أن يقوم بها أي مجتمع لرفع مستوى المعرفة والثقافة. في هذه المرحلة الحساسة، يتشكل لدى الطفل الأساس الذي سيساعده على بناء مهاراته التعليمية والمعرفية لاحقًا. لذا، من الضروري أن نسعى لغرس حب القراءة في قلوب الأطفال ليصبحوا قراءً شغوفين على مدار حياتهم. لكن كيف يمكن تحقيق ذلك بفعالية؟
-توفير بيئة غنية بالكتب
تبدأ أولى خطوات زرع عادة القراءة في خلق بيئة تحتوي على مجموعة متنوعة وغنية من الكتب التي تلبي احتياجات الأطفال وتناسب اهتماماتهم المختلفة. هذه البيئة يجب أن تكون ممتعة ومليئة بالألوان والقصص المثيرة التي تلفت انتباه الطفل. ينبغي أن تحتوي مكتبة الصف أو المنزل على كتب متنوعة مثل القصص المصورة، الكتب العلمية المبسطة، وكتب الحكايات الشعبية. تنوّع المحتوى يجذب الأطفال لاختيار ما يروق لهم ويزيد من حبهم للاستكشاف والقراءة.
- تحفيز الاهتمام والاستمتاع بالقراءة
القراءة يجب أن تكون تجربة ممتعة وليست مجرد واجب مدرسي. لجعل الطفل يحب القراءة، يجب تقديمها له كوسيلة للترفيه والاستمتاع. يمكن للمعلمين والأهل قراءة القصص بصوت عالٍ للأطفال وجعلهم يعيشون مع الشخصيات والأحداث من خلال الأسئلة التفاعلية والمناقشات. الأطفال يحبون التفاعل مع القصص، وبالتالي يمكن خلق أجواء مليئة بالتشويق والإثارة حول القراءة، مما يعزز من رغبتهم في الاستمرار في القراءة.
- القدوة الحسنة
الأطفال يتعلمون بالتقليد. إذا رأى الطفل معلميه وأفراد أسرته يقرأون باستمرار، سيبدأ بتقليدهم. يجب أن يكون الأهل قدوة في هذا المجال، وذلك من خلال القراءة أمام الأطفال والتحدث معهم عن الكتب التي يقرؤونها. كما يمكن للمعلمين أن يشاركوا قصصهم المفضلة مع الطلاب، مما يعزز من فكرة أن القراءة نشاط ممتع يقوم به الكبار والصغار على حد سواء.
- التكامل مع المناهج الدراسية
يجب أن تكون القراءة جزءًا أساسيًا من المناهج الدراسية في الصفوف الثلاث الأولى، وليس مجرد نشاط إضافي. يمكن دمج القراءة مع المواد الدراسية المختلفة، مثل العلوم والتاريخ، من خلال تقديم قصص تتعلق بالمواضيع التي يتم تدريسها. هذا التكامل يعزز من فهم الطفل للمفاهيم ويزيد من دافعيته لقراءة المزيد.
- تشجيع القراءة التفاعلية
القراءة ليست عملية فردية بحتة، بل يمكن أن تكون نشاطًا تفاعليًا يشارك فيه الأطفال الطلبة مع بعضهم البعض أو مع معلميهم وأهاليهم. القراءة التفاعلية تشمل مناقشة النصوص، توجيه أسئلة حول الأحداث والشخصيات، وتشجيع الأطفال على تخيل نهايات مختلفة للقصة أو حتى كتابة قصصهم الخاصة. هذه الأنشطة تعزز من ارتباط الطفل بالكتاب وتزيد من رغبته في العودة للقراءة.
-مكافأة الجهود وتشجيع التقدم
يحب الأطفال الشعور بالتقدير والإنجاز. لذا، يمكن للأهل والمعلمين تشجيع الأطفال على القراءة من خلال مكافأتهم عند إتمامهم قراءة كتاب أو قصة. لا ينبغي أن تكون المكافآت مادية بالضرورة؛ بل يمكن أن تكون امتيازات مثل اختيار القصة التي سيتم قراءتها في الفصل، أو تخصيص وقت للحديث عن كتابهم المفضل.
-الاهتمام بالفروق الفردية
كل طفل هو فرد فريد وله اهتمامات ومستوى قراءة مختلف. من المهم أن يكون المعلمون والأهل على دراية بمستوى الطفل في القراءة وتقديم الكتب التي تتناسب مع قدراته. كما يجب أن تكون الكتب متنوعة لتلبي اهتمامات جميع الأطفال، سواء كانوا يميلون إلى القصص الخيالية، أو الكتب العلمية، أو المغامرات. الاهتمام بالفروق الفردية يساعد في الحفاظ على دافع الطفل للاستمرار في القراءة.
-زيارة المكتبات والأنشطة الثقافية
من المهم أن يتم تشجيع الأطفال على زيارة المكتبات والمشاركة في الأنشطة الثقافية مثل ورش العمل الخاصة بالقراءة والكتابة. زيارة المكتبة تمنح الطفل فرصة لاختيار الكتب بحرية وتزيد من حبه لاكتشاف الكتب الجديدة. يمكن للمكتبات أن تكون مصدر إلهام للطفل ليصبح قارئًا نهمًا.
إن زرع عادة القراءة في قلوب الأطفال في الصفوف الثلاث الأولى يتطلب جهدًا مشتركًا من الأهل والمعلمين والمجتمع. يجب أن نخلق بيئة ملهمة ومحفزة تجعل القراءة جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية. من خلال توفير الكتب المناسبة، وتحفيز الاستمتاع بالقراءة، والقدوة الحسنة، نستطيع أن نضمن أن أطفالنا سيكبرون ليكونوا قراءً شغوفين ومتعلمين مدى الحياة. القراءة ليست مجرد مهارة تعليمية، بل هي مفتاح لبناء جيل مثقف قادر على التفكير النقدي والاستفادة من المعرفة.
فاطمه علي وزان السرحان
دكتوراه في الفلسفة في الاصول التربوية المفرق- مغير السرحان