في ظل الضغوطات اليومية المتزايدة، وتحت وطأة الأوضاع السياسية الصعبة وما تخلفه الحروب من مشاهد الدمار والقتل ، كما يحدث في غزة وسوريا وقبلها لبنان والقادم أعظم ، يصبح الإنسان في حاجة ماسة إلى التوقف لحظة لالتقاط أنفاسه، والتأمل في ذاته. تلك اللحظة التي يقرر فيها أن يُعيد ترتيب شتات نفسه ويبحث عن نقاط الضوء وسط الظلام، هي البداية الفعلية لترميم الذات وحمايتها من السقوط..
في مواجهة الفوضى المحيطة، قد يجد الإنسان نفسه يميل إلى إنكار مشاعره أو محاولة الهروب منها، معتقدًا أن القوة تكمن في تجاهل الألم. إلا أن علماء النفس، مثل إليزابيث كوبلر روس، يؤكدون أن الاعتراف بالمشاعر هو أولى خطوات الشفاء. فالحزن والصدمة مراحل طبيعية تعبر عن إنسانيتنا، ومواجهتها بصدق تسهم في تخفيف ثقلها.
وسط المشاهد المؤلمة، كأنقاض المنازل وصراخ الضحايا في غزة، قد نشعر بأن الحياة تتحول إلى فوضى عارمة لا يمكن السيطرة عليها. هنا تبرز أهمية التوجه نحو الداخل. الفيلسوف ماركوس أوريليوس، في فلسفته الرواقية، أشار إلى أن السلام الحقيقي لا ينبع مما حولنا، بل مما بداخلنا: "مصدر السلام الوحيد هو داخل عقلك
الألم، مهما كان قاسيًا، يمكن أن يصبح مصدرًا للقوة والتحول إذا تعاملنا معه كفرصة لإعادة بناء الذات وإعادة ترتيب أولوياتنا. بدلاً من الانغماس في الحزن، حاول أن تستخلص الدروس من تجاربك، وأن تجعل الألم دافعًا للنمو والتغيير.
الفيلسوف إيكهارت تول ، في كتابه "قوة الآن”، شدد على أهمية العيش في اللحظة الراهنة، بعيدًا عن أعباء الماضي وقلق المستقبل. التركيز على "الآن” يمنحك فرصة للتخفيف من الألم النفسي .
ترميم الذات ليس إنهاءً للألم، بل هو التعامل معه بوعي وحكمة. إنه إعادة بناء الداخل وسط كل الخراب المحيط بنا. قد تكون رحلة صعبة، لكنها تبدأ بخطوة صغيرة واحدة: أن تكون رحيمًا مع نفسك، وأن تمنحها ما تحتاجه من حب واهتمام.
في مواجهة الركام، اجعل ألمك حافزًا لبناء حياة أقوى وأكثر إشراقًا. فما يتراكم حولك من دمار يمكن أن يصبح الأساس لحياة جديدة مليئة بالسلام والأمل.