قد تجد مقالتي هذه ـ بعد طول غياب ـ بعض المتسلقين ، والمتزلفين ، والمنافقين ، وماسحي الجوخ أمام أصحاب القرار في جامعاتنا ... وخاصة أولاء الذين لا حول لهم ولا قوة سوى طأطأة رؤوسهم لمسئوليهم ، وإشهار سيوفهم وأقلامهم للدفاع عمّن يظنون أنهم أولياء نعمتهم ، وحتى الهواء الذي يتنفسونه من خياشيمهم في شهيقهم وزفيرهم ما هو إلا زيف ورياء ... وبعد :
حكايتي مع جامعة اليرموك أشرقت طفولتها منذ سن الثلاثين من عمري ، وغربت مع سن السبعين ... أي ما يقرب من أربعين عاما بدأت خلالها خدمتي في جامعة اليرموك ظنا مني أنني ربما أسهم في بناء لبنات تحمي الوطن والمواطن ...كنت أظن أنني أروّي ـ من خلال محاضراتي ـ شجرة علم علّي أستظل بظلالها يوما ما من الأيام ... علّي أجد في نهاية المطاف مكافأة ـ طالما حلمت بها ـ وهي في عرف الجامعات تسمّى مكافأة نهاية الخدمة ... وقد يذهب البعض إلى أن المكافأة قد تكون ماديّة فقط دون أي اعتبار للجانب النفسي ، والمعنوي ، والإنساني ...
وما إن تسلّمت كتابي المتضمّن عدم تمديد خدمتي في الجامعة لبلوغي سن السبعين مع نهاية العام الجامعي 2023/2024 حتى شرعت بمعرفة الطريق السرّي لعذابات من أنهى خدمته في جامعة اليرموك ...أحسست حينها أنني متهم أمام ( 23 ) قضية عدم براءة ذمة للجامعة ... وأمام هذا الحدث الجلل عليّ أن أثبت براءتي أمام كل قضية منها دون أن أكلّف محام للمرافعة عن أي من تلك القضايا التي تخصني بما فيها الكلية التي ترعرت بين أعطافها ...وما زلت في عرف أهلها ( غير بريء ) .
بدأت مشوار براءة الذمة بتسليم عهدتي ... وما أن سلّمت مفتاح مكتبي وبطاقة مصعدي حتى فاجأني أحدهم بالقول عليك تسوية بعثتك التي ابتعث فيها لعام 1984 ، وبعد معاناة شهرين لم يعتب فيها أي أرشيف قديم أو حديث ... أو حتى رفاة ملف قديم أو حديث ... أو بقايا مكتب من مكاتب الجامعة حتى تمكن المعنيون ـ والحمد لله ـ من منحي البراءة بتسوية بعثتي ...
وحتى تلك اللحظة لم أكن أعلم بأن أحكام المادة (8/7) من تعليمات إجازة التفرغ العلمي في جامعة اليرموك رقم (5) لسنة 2022 تتضمّن بأثر رجعي تلك الإجازة التي منحتها مابين 2010/2011 حينها حاولت تطبيق نظرية لغوية حديثة لعالمين أمريكيين ظنا منّي أنّني سوف أضيف من خلال تطبيق نظريتهما بعدا معرفيا للباحثين في وطني والوطن العربي بل والعالم كله كونها نظرية حديثة ... ولكن ليتني لم أقم بذلك ... فما لي وما للحداثة ... ومع كل هذا قدمت للقسم وللكلية أبحاثا في صلب هذه النظرية لتغطية إجازة التفرغ العلمي لعام 2011
اجتمع القسم للمرة الأولى ... وطلب مني تعبئة تقرير يخص البحث فوافق القسم عليه ورفضه مجلس الكلية وعميده طالبا تشكيل لجنة أعلى رتبة مني مع ان أحد الأبحاث منشور في مجلة دراسات/ الجامعة الأردنية .. والآخر منشور في مجلة اللغة العربية العالمية / جامعة مؤتة ... ثم طلب العميد بدوره تشكيل لجنة غير الأولى ... فاجتمع القسم لمرتين ... وشكلت ثلاث لجان بالتتالي... وكلها أقرت الإجازة إلا أن مجلس الكلية مع عميد الكلية لم يقتنعوا بذلك ...لا ببحث نشر في جامعة مؤتة ، ولا بأخر نشر في الجامعة الأردنية ، وبعث البحث لعمادة البحث العلمي وعاد أدراجه لمرتين ... وبين أخذ وعطاء ... ومعاناة نفسية وجسدية لمدة ثلاثة أشهر ... وحتى هذه اللحظات لم يعتمد البحث لتغطية الإجازة ... هذه قضية واحدة من معاناة من يصل سن السبعين في جامعة اليرموك ... بل ومن يتلفظ بمكافأة نهاية خدمته ...إن مقالتي هذه عبرة لكل من وقعت عليه قرعة نهاية الخدمة في جامعة اليرموك ...يا إلهي... كم كنت أتمنى أن لا أرى هذه العذابات وأنا أحبو نحو سن السبعين ... لكن عزائي الوحيد في حضرة هذه المقالة قول الشاعر :
ألا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب
وما زلت أحبو نحو ما تخبئه الأيام القادمة من مفاجآت مكافأة نهاية الخدمة ... وإن غدا لناظره قريب ... أستاذ دكتور غير بريء من جهة عمله وكليته مع أنه سلّم مفتاح مكتبه وبطاقته ، هائم على وجهه يردد :