بقلم اللواء الركن (م) الدكتور مفلح الزيداني السعودي
تُعدّ حرية الرأي والتعبير من أبرز الحقوق الإنسانية التي نالت اهتمامًا واسعًا في مجالات الإعلام والاتصال، والقانون، والسياسة. وقد أتاح التطور التكنولوجي في الإعلام والاتصال مساحات جديدة لهذا الحق، غير أنّ هذا التوسع يستدعي ضبطًا دقيقًا يوازن بين حرية التعبير وبين حماية الأمن الوطني والمصلحة العامة.
مؤخرًا، شهد الشارع الأردني تظاهرة تضامنية دعماً لأهلنا في غزة، عكست نبض الأردنيين ووقوفهم الدائم إلى جانب القضية الفلسطينية. غير أن بعض الأصوات النشاز خلال التظاهرة تجاوزت حدود حرية التعبير، متجاوزةً الخطوط الحمراء وثوابت الدولة، ومردّ ذلك تأثر بعض الأفراد بأجندات خارجية لا تخدم المصلحة الوطنية ولا القضية الفلسطينية.
إنّ حرية التعبير ليست مطلقة، بل ترتبط بجملة من الضوابط والمعايير، أبرزها حماية الأمن الوطني والنظام العام، وصون مؤسسات الدولة وهيبتها، والالتزام بمبدأ الشرعية والضرورة، لتفادي الفتنة والتفكك المجتمعي.
حقائق لا بد من استيعابها:
المظاهرات من أبرز أدوات التعبير عن الرأي في الأردن، وتحظى بحضور مستمر وفاعل.
الدستور الأردني كفل حرية التعبير بجميع الوسائل، بما فيها الإلكترونية.
القيادة الأردنية تنتهج استراتيجية وطنية راسخة، قائمة على حماية الأمن القومي، والدفاع عن القضايا العربية العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
الجيش العربي الأردني قدّم التضحيات في القدس واللطرون وباب الواد، ولا يزال يقدم الدعم الإنساني والعسكري والسياسي لفلسطين.
الحرب، إذا ما فُرضت، تتطلب تعبئة شاملة لعناصر القوة الوطنية، وبُنية استراتيجية قائمة على الرؤية والتخطيط والتنفيذ المدروس.
تحليل الواقع والمشهد:
الأصل في التظاهر أنه تعبير سلمي مشروع، لكن تكرار التظاهرات دون تنظيم قد يُثقل كاهل الأجهزة الأمنية ويشغلها عن مهامها الأساسية.
استغلال التظاهرات للإساءة إلى الدولة ومؤسساتها لا يخدم القضية الفلسطينية، بل يفتح المجال للتشويش على المواقف الرسمية الثابتة.
أعلن الأردن موقفه الحازم بثلاث لاءات واضحة: لا للتنازل عن القدس، لا للوطن البديل، ولا للتوطين.
الجيش والأجهزة الأمنية ليسوا مؤسسات مجردة، بل أبناء الوطن، قدّموا أرواحهم فداءً لفلسطين، وحموا استقرار الأردن وسط محيط ملتهب.
من أجل غدٍ أفضل:
لبناء استراتيجيات وطنية ناجحة وتحويل التحديات إلى فرص، لا بد من:
التخطيط المسبق لكل أزمة، وتحديد أدوات المواجهة المناسبة.
تعزيز وعي المواطن عبر المدارس ودور العبادة والمنصات الإعلامية، بأهمية الأمن الوطني.
تمكين المواطن من التعبير عن رأيه عبر القنوات الدستورية والقانونية المتاحة.
استثمار التكنولوجيا في إيصال المطالب والآراء، مع مراعاة الضوابط القانونية والأخلاقية.
خلاصة القول:
حرية التعبير حق مكفول بالدستور الأردني، لكنها لا تعني الفوضى أو الاعتداء على ثوابت الدولة. لا يجوز لأي جهة داخلية أو خارجية العبث بأمن الأردن أو بث الفتنة بين أبنائه. فالأردنيون، بمختلف أصولهم ومنابتهم، يلتفون حول وطنهم وقيادتهم، ويقفون بثبات في خندق فلسطين، مدافعين عن الحق والكرامة.
حفظ الله الأردن أرضًا وقيادةً وشعبًا، وقواته المسلحة وأجهزته الأمنية، تحت ظل الراية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني وولي عهده سمو الأمير الحسين.