كـمواطن لا يمتهن السياسة، أتساءل دائمًا: كيف أفهم ما هو في صالح بلدي؟
ليس من موقع المنظّر أو الحزبي، بل من موقع الإنسان الذي يرى أن قوة الدولة في اتزانها، وأن حماية الوطن لا تكون بالصوت الأعلى، بل بالعقل الأهدأ، وبالإيمان بأنّ الأردن ليس ساحة لتجارب الأفكار، بل وطنٌ له هويته ومساره وثوابته التي تستحق أن تُصان.
إنّ التجربة السياسية الأردنية على امتداد العقود الماضية أثبتت قدرة فريدة على إدارة التعددية ضمن نهج من الاعتدال السياسي والاتزان الوطني، حيث نجحت الدولة في الحفاظ على استقرارها رغم ما شهدته المنطقة من اضطرابات فكرية وأيديولوجية حادة.
هذا النهج الأردني القائم على العقلانية والمرونة المؤسسية جعل من الدولة نموذجًا في التوفيق بين الانفتاح السياسي وحماية الثوابت الوطنية، بحيث تبقى المصلحة العامة فوق الاصطفافات الفكرية أو المذهبية.
وهنا أجد نفسي أكرر ذات السؤال بضمير المواطن: كيف أفهم ما هو في صالح بلدي؟
وأجد الجواب في اتساق الدولة مع نفسها، في اتزان القرار، وفي قدرتها على الموازنة بين الانفتاح والمسؤولية، بين حرية الرأي وضرورات الأمن الوطني، دون أن تنزلق إلى حدة الأيديولوجيات أو نزعات الاستقطاب.
وفي هذا الإطار، تبدو الأحزاب ذات الطابع الأيديولوجي الصِرف أقلّ انسجامًا مع أسلوب إدارة الدولة للحياة السياسية، لا من منطلق الرفض، بل لأنّ الإيقاع الأردني في العمل العام يعتمد على الوسطية والبراغماتية الوطنية لا على التجاذب العقائدي أو التناحر الفكري.
فالخط السياسي الأردني يقوم على "فن التوازن” بين التحديث والحفاظ على الثوابت، بين الانفتاح والمسؤولية، وبين التنوع والوحدة الوطنية.
ومن هنا، فإنّ الأحزاب التي تتبنّى برامج واقعية قابلة للتطبيق وتستند إلى فهم عميق لأولويات المجتمع الأردني، هي الأكثر قدرة على الانسجام مع هذا النموذج السياسي الهادئ والمتدرّج.
إنّ الدولة الأردنية اليوم لا تُقصي أحدًا، لكنها تسعى إلى إنتاج حياة حزبية ناضجة قادرة على التعبير عن هموم المواطن بلغة وطنية، لا بلغة الانقسام الأيديولوجي.
وهو ما يجعل مستقبل العمل الحزبي مرهونًا بقدرة الأحزاب على التحوّل من الخطاب العقائدي إلى الخطاب البرامجي، ومن الصراع الفكري إلى المشاركة الوطنية في صنع القرار.