الإعلامي والمعلق الرياضي الأردني بسام أبو حماد واحدًا من الأصوات التي شكّلت الهوية السمعية للمشهد الرياضي الأردني على مدى عقود. فهو صاحب مدرسة خاصة في التعليق تقوم على الهدوء والاتزان والبعد عن الانحياز، ما جعله صوتًا موثوقًا لدى الجماهير، ورمزًا مهنيًا لثلاثة أجيال من محبّي الرياضة.
وُلد بسام أبو حماد عام 1962 في مدينة سحاب، ونشأ على حب كرة القدم منذ سنواته الأولى. لعب لفريق المدرسة في المرحلتين الإعدادية والثانوية، قبل أن ينتقل بعد التوجيهي لأداء خدمة العلم، ثم الالتحاق بدراسة التربية الرياضية في الكلية العربية.
خلال دراسته، لعب في أندية الدرجة الثانية والثالثة، قبل أن يرتدي قميص نادي سحاب في الدرجة الممتازة لمدة ثلاث سنوات، مسهمًا في مشاركات الفريق في الدوري الأردني والكأس والدرع. هذه التجربة منحته فهمًا عميقًا لتفاصيل اللعبة، كان لها أثرٌ كبير لاحقًا في أسلوب تحليله وتعليقه التلفزيوني.
وحصل في عام 1985 على دبلوم التربية الرياضية من الكلية العربية، ثم عاد ليعزز مسيرته الأكاديمية بشهادة البكالوريوس في القانون من جامعة الزيتونة عام 1995، إضافة إلى دورات تخصصية في اللغة الإنجليزية وفي فنون التعليق والتحرير التلفزيوني.
بدأت رحلة أبو حماد الإعلامية حين انضم إلى التلفزيون الأردني، حيث عمل بدايةً في مهام مختلفة داخل أسرة الرياضة، قبل أن يتدرج سريعًا ويصبح من أبرز المعدين والمذيعين في البرامج الرياضية.
أسند إليه إعداد برنامج المجلة الرياضية بإشراف الاعلامي محمد المعيدي، ليتولى إعداد الأخبار المحلية أولًا، ثم الأخبار العالمية بعد مغادرة زميله خالد الغول، ليصبح لاحقًا المسؤول الأساسي عن محتوى البرنامج. وقد اكتسب خلال هذه المرحلة خبرة تحريرية واسعة، وصوتًا إعلاميًا قادرًا على صياغة المعلومة بدقة وموضوعية.
ولم يقتصر دوره على الإعداد؛ إذ برز كمراسل ميداني يقدّم تقارير جريئة تكشف الأخطاء الرياضية وتسلّط الضوء على جوانب القصور لدى بعض الاتحادات والأندية، قبل أن ينتقل لاحقًا إلى التقديم داخل الاستوديو في برامج نوعية من بينها الرياضة في أسبوع ومختارات رياضية والمجلة الرياضية الذي شارك في تقديمه إلى جانب الاعلاميين محمد المعيدي وعثمان القريني، ما رسّخ حضوره الإعلامي وأبرز قدرته على التنويع بين العمل الميداني والتقديم التلفزيوني.كما تولى لاحقًا تقديم نشرات الأخبار الرياضية، ليصبح أحد الوجوه الأكثر حضورًا وثقة لدى المشاهد.
تميّز أسلوب بسام أبو حماد بتقاربه مع المدرسة الإنجليزية في التعليق الرياضي. فهو يلتزم بالهدوء عندما تكون الكرة في وسط الملعب، ويميل إلى رفع صوته تدريجيًا مع اقتراب الهجمة من منطقة الجزاء، لينفجر بحماس مع تسجيل الأهداف. ويبتعد عن أسلوب الصراخ المتواصل، رافضًا العاطفة المفرطة أو الانحياز لأي نادٍ.
هذا الأسلوب أكسبه احترامًا واسعًا، خاصة في المباريات الحساسة بين الفيصلي والوحدات، حيث عُرف بثباته وحياده، وعلّق على ثلاث نهائيات حاسمة بين الفريقين خلال أعوام 1995 و1996 دون أن تُسجّل بحقه أي ملاحظات جماهيرية حول الميول أو الانحياز.
وعلى مستوى المنتخبات، قدّم أبو حماد تعليقًا يجمع بين التشجيع الوطني والتحليل الموضوعي، مع منح المشاهد رؤية فنية عبر شرح الخطط، والإحصائيات، ونقاط التحكيم، وتأثير النتائج على مشوار المنتخب الأردني في البطولات.
اختير أبو حماد ثلاث مرات ضمن فريق التعليق العربي المعتمد لدى اتحاد إذاعات الدول العربية، وشارك في تغطية أحداث رياضية كبرى، من أبرزها كأس آسيا 2004 في الصين والألعاب الأولمبية بكين 2008 والألعاب الأولمبية لندن 2012، ما عزّز مكانته كمعلق محترف يحظى بثقة المؤسسات الإعلامية العربية في المحافل الدولية.كانت أبرز محطاته تعليقه على مباراة الأردن واليابان في كأس آسيا 2004، والتي حضرها جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو الأمير الحسين بن عبدالله، وشهدت أحداثًا دراماتيكية حتى ركلات الترجيح.
كما أوفد التلفزيون الأردني أبو حماد لتغطية دورات عربية ودولية في دول متعددة منها: لبنان، سوريا، العراق، البحرين، الكويت، قطر، السعودية، ماليزيا، اليابان، الصين، بريطانيا، قبرص، ومصر. ووفق تقديراته، فقد قدّم نحو 1000 ساعة بث تلفزيوني مباشر خلال مسيرته.
يُعدّ أبو حماد من الأسماء المركزية في تاريخ القناة الرياضية الأردنية. ففي عام 2000، وأثناء سفر الاعلاميين محمد المعيدي وعثمان القريني لتغطية أولمبياد سيدني، تولى مسؤولية إدارة الرياضة في التلفزيون.
وفي تلك الفترة طرح فكرة تحويل القناة الثانية من قناة أجنبية إلى قناة رياضية شاملة، وهو مقترح نال موافقة مدير التلفزيون آنذاك الراحل عبدالحليم عربيات، لتبدأ مرحلة تأسيس القناة الرياضية التي انطلق بثها الأرضي يوميًا قبل أن تتوسع تدريجيًا وتقدم محتوى رياضيًا متنوعًا شمل الدوري الأردني والدوريات الأوروبية الكبرى ودوري أبطال أوروبا ودوري أبطال آسيا وNBA وبطولات التنس الكبرى والأولمبياد إلى جانب منافسات عربية ومحلية متنوعة، مما جعلها منصة رياضية رئيسية للمشاهد الأردني.وفي عام 2007، وبعد تقاعد الاعلامي محمد المعيدي، تولى أبو حماد إدارة البرامج الرياضية والقناة الرياضية، وقاد مرحلة تطوير شملت زيادة ساعات البث المباشر وتوسيع نطاق التغطية.
وثّق أبو حماد في مسيرته الدور الكبير للمخرجين الذين أسهموا في صناعة وإخراج البرامج الرياضية، مؤكّدًا أنّ نجاح المحتوى لم يكن ليكتمل دون جهود نخبة من الأسماء التي رافقته في مختلف المراحل، وفي مقدمتهم حسام بسيوني، محمد الرجوب، إبراهيم رحاحلة، سلامة اللوزي، سلطان الزبن، بدر الخريشا، منذر حداد، سمير العكور، فهد جابر، أحمد السرميني، خلدون الشبول، وعبدالعزيز الجازي، الذين شكّل كل منهم بصمة واضحة في تطوير الشكل الفني للبرامج ورفع جودتها على الشاشة الأردنية
وقد أثرت هذه الكفاءات في تطور العمل الفني داخل التلفزيون الأردني، خصوصًا في بث سباقات السيارات والكرة المحلية.
أصدر أبو حماد كتابين يعتبران من أهم المراجع الرياضية الأردنية:
رياضة السيارات… رياضة الملوك
يسلط الضوء على اهتمام العائلة الهاشمية برياضة السيارات والراليات، ودور الملك الحسين رحمه الله والملك عبدالله الثاني في دعمها.
إنجازات الرياضة الأردنية
يوثّق تاريخ الرياضة الأردنية وإنجازاتها في 30 لعبة، مع أبرز الأبطال والميداليات على المستويين العربي والدولي.
إلى جانب عمله في التلفزيون الأردني، تعاون أبو حماد مع عدد من القنوات العربية والمحلية التي أسهمت في توسيع نطاق حضوره الإعلامي، من بينها نورمينا وجوسات وقناة ماس وقناة العراق الاقتصادية، مقدّمًا عبرها محتوى رياضيًا متنوعًا عزّز مكانته كأحد أبرز الأسماء في الإعلام الرياضي الأردني.وقدم برامج رياضية وسياسية، من بينها برنامج سياسي تناول شخصيات عراقية مقيمة في الأردن، منهم محمد الحلبوسي، واستمر البرنامج لمدة عامين.
كما أعدّ 30 تقريرًا لبرنامج "زوايا" على تلفزيون قطر تناولت قضايا اجتماعية أردنية.
شارك في إعداد برنامج خاص يكشف معاناة سجناء سجن أبو غريب العراقي. وقد عُرض البرنامج لاحقًا أمام أعضاء من الكونغرس الأمريكي، ليبرز البعد الإنساني في عمله الإعلامي.
رسّخ حضوره المهني من خلال عضويته في جمعية المذيعين الأردنيين وعضويته المستمرة في اتحاد الإعلام الرياضي الأردني منذ عام 1990، إلى جانب كونه صاحب فكرة الاتحاد العربي للمذيعين والمعلقين التي طرحها خلال كأس آسيا في دبي، كما أسّس فريقًا لكرة القدم يضم المذيعين وشارك عبره في فعاليات إعلامية ورياضية متعددة، ما يعكس حضوره الفاعل داخل الوسط الإعلامي ودوره في بناء مجتمع مهني متماسك.
تقاعد أبو حماد من التلفزيون الأردني عام 2010، لكنه واصل العمل في إذاعة هدف التابعة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون حتى عام 2017. وهو اليوم يدير مؤسسة خاصة لتنظيم البطولات الرياضية بالتعاون مع مؤسسات وشركات عربية، تُعنى بتنظيم فعاليات دولية ومعسكرات تدريبية للمنتخبات والأندية.
ترشح للانتخابات النيابية الأردنية لعام 2024 عن الدائرة الأولى، لكنه اضطر للانسحاب قبل أسبوعين من موعد الاقتراع بسبب ظرف صحي استدعى إجراء عملية جراحية ناجحة.
تظل مسيرة بسام أبو حماد نموذجًا متفردًا في الإعلام الرياضي الأردني؛ فهو اللاعب والمذيع والمعلق والكاتب والمدير الذي جمع بين المهنية والحياد والشغف، وترك بصمة لا تُنسى في كل محطة وقف فيها.
إنه صوتٌ حافظ على احترام الجماهير، ورسّخ مدرسة في التعليق الرياضي عنوانها: المعلومة أولًا… والحياد دائمًا.