لم يكن راجي عبداللطيف المساعفة العجارمة مجرد اسمٍ في سجل الشهداء؛ كان حكاية يتناقلها الجنود بهمسٍ يشبه الاحترام، وترويها الأمهات كما لو كنّ يتحدثن عن ابنٍ من نور.
كان في بداية الشباب، لم يتجاوز الثامنة عشرة، لكن خطواته في الميدان كانت خطوات رجل أدرك أن البطولة لا تقاس بالعمر، بل بالنبض الذي يخفق حين يسمع اسم الوطن.
في حرب تشرين، حمل راجي سلاحه وصيامه وإيمانه، وتقدّم إلى المعركة وكأنه ذاهب إلى موعد يعرفه جيداً. كان ثابت النظرة، قوي القلب، يقود مدرعته بثقة لا تشبه سنّه، بل تشبه رجالاً مرّوا على الدنيا مرة واحدة، وتركوا أثراً لا يُمحى.
وحين اخترق صاروخ مركبته، تكسّر الحديد، واحترقت المدرعة، لكن راجي لم يتراجع، ولم يصرخ. كان وجهه ساكناً… ساكناً بصورة تخترق الذاكرة، كأنه يقول:
"لن أهزم… ولو احترق الجسد."
وعندما خمدت النيران وهدأت أصوات المعركة، بدأ رفاقه يبحثون عنه بين الركام. أرادوا أن يحملوا جسده، أن يعيدوه إلى حضن أم انتظرته بعينين مليئتين بالدعاء. لكنهم لم يجدوا إلا رماداً… رماد روح صافية ذابت من أجل الأرض، وتركت خلفها اسماً أثقل من الحديد الذي ذاب، وأقوى من النار التي التهمت كل شيء.
قال أهله:
"كان صغيراً… لكن الرجولة اختارته مبكراً."
اليوم، كلما ذُكرت الأردن في ساحات البطولة، يمر اسم راجي المساعفة كنسمة فخر… طفل في عمره، رجل في موقفه، وشهيد سبق زمنه، وكأنه خُلق ليُعلّم الوطن أنّ البطولة لا تحتاج وجهاً كبيراً، بل قلباً كبيراً.