بقلم اللواء المتقاعد طلال الغبين

لم تكن مشاركة منتخبنا الوطني  في كأس العرب حدثًا رياضيًا فحسب، بل لحظة وعيٍ وطني أعادت تعريف الممكن في وجدان الأردنيين . فالأداء المشرف لم يصنع فرحًا عابرًا، بل أيقظ ثقةً عامة بأن الأردن قادر على الإنجاز حين يستقيم العمل وتتوحد الإرادة، وحين تتحول الروح إلى نظام، والحماس إلى انضباط.

قلة الإمكانيات كفضيلة أداء

المفارقة أن محدودية الإمكانيات لم تكن ذريعة للتراجع، بل تحولت إلى محرّكٍ للتفوّق؛ إذ قارعت الإرادةُ الصلبةُ وفرةَ المال، وبدت بعض الإمكانيات المادية أقل أثرًا أمام التحدي والتصميم والإيمان بالهدف. وفي بيئات الشح يتضاعف معنى الانضباط، ويغدو حسن التدبير شرطًا للمنافسة، ويصبح الذكاء في توظيف الموارد أهم من وفرتها. وهكذا قدّم المنتخب درسًا عمليًا: ليس من يملك أكثر ينجح بالضرورة، بل من يحسن إدارة ما يملك ويستثمره بأعلى كفاءة.

التخطيط يوحّد التحدي ويصنع الثقة

ما تفاعل معه الناس هو الإحساس بمنظومة تعمل: أدوار واضحة، تماسك جماعي، وروح تضحية تتقدّم على الحسابات الفردية. والتخطيط السليم لا يَعِد بنتيجة مباراة فقط، بل يبني ثقةً قابلة للتعميم، ويحوّل العاطفة إلى طاقة إنجاز، والتحدي إلى اتجاه موحّد، ويجعل الأداء مرآةً لثقافة عمل لا لمزاج لحظي.

دعوة للقيادات: اجعلوا النجاح نهجًا

هذه الحالة الوطنية ليست للاحتفاء وحده، بل للبناء الواعي. إنها رسالة لكل القيادات بأن الوطن متعطش لنتائج ملموسة، وأن الفرح العام ليس ترفًا بل ضرورة تُنعش الانتماء وتستنهض الهمة وتعيد شحذ الثقة. المطلوب أن نترجم "منطق المنتخب” إلى ثقافة مؤسسية في التعليم والصحة والخدمات والاقتصاد: أهداف دقيقة، تنفيذ منضبط، حوكمة واضحة، ومحاسبة تُراكم التحسن. فالأردن الذي يستحق الفرح يستحق أيضًا أن يُدار بمنهج يليق بطموحه، وأن يُدفع إلى الأمام بإنجازات متتابعة تُثبّت الأمل وتحميه من التبدد.