هذه القصة من وحي الخيال، ولا تمتّ للواقع بصلة، وأي تشابه بينها وبين مواقف أو أشخاص هو صدفة غير مقصودة.
حين تتشابك المصالح الزائفة، وتُستدعى اللجان لتجميل الكذب، ويغيب المسؤول عن موقع الضمير، تضيع الحقيقة وسط الضجيج. عندها لا تعود الغابة مكانًا للنظام، بل تتحول إلى فوضى يحكمها الصوت الأعلى الذي يستند إلى الزيف .....
وتبدأ الحكاية في غابةٍ بعيدة لا تطأها أقدام البشر، تحكمها قواعد واضحة؛ تحفظ الحقوق، وتحدد الواجبات، وتجرّم الظلم. غير أن تلك القوانين فقدت هيبتها حين اجتمعت الحيوانات والأفاعي في مكان واحد، حيث لا تنفع النصوص أمام من اعتاد الالتفاف عليها.
وفي أطراف الغابة البعيدة، كانت تعيش عصابة مؤلفة من خمسة حيوانات، لكل واحد منهم دور يخدم الآخر :
1. ثعلب سريع المراوغة يتقن تزوير الحكايات، ويجيد خلط الحق بالباطل، ويعرف كيف يدخل إلى العقول ويغير المفاهيم.
2. غراب أسود الريش..... عمله الوحيد نشر الإشاعات، ونقل الأكاذيب من غصن إلى غصن، ويتفاخر بأنه صانع "الرأي العام" في الغابة.
3. أرنب يرتجف ولكنه خطير جبان أمام الحق، جريء في الباطل، يشهد زورًا ثم يختبئ في جحره خوفًا من الحقيقة.
4. ضبع لا يشبع ينهش السمعة، ويقتات على الخلافات، ويحب أن يرى الجميع في صراع ليبقى هو المنتفع الوحيد.
5. حية سامة جدا خبيرة في الهمس، تلدغ من الخلف، وتُجيد الإيقاع بين المخلوقات.
ولم تقف العصابة وحدها؛ فقد انضمت إليهم لجنة من الخفافيش السوداء…خفافيش تتظاهر بأنها ترى العدل وتبحث عنه، بينما هي لا ترى شيئًا ....تعتمد فقط على صدى أصوات العصابة، فتصدر قراراتها في الظلام وتهمس وتتفق في الخفاء.
وفي قلب الغابة، كان هناك مسؤول كبير دب ضخم. يفترض أن يكون حارس النظام، لكنه كان يستمع فقط لمن يطبل له ويلمع صورته، ولو كانوا عقارب وحيات.
وكان يردد دائمًا: "دعوني وشأني… لا أريد مشاكل." فأصبح حضوره مثل غيابه، وصمته الذي منح العصابة قوة لم يحلموا بها في حياتهم.
وكانت بداية الفوضى عندما اجتمع الثعلب مع الحية في ليلة هادئة، ووضعوا خطة ماكرة ...اتهموا غيرهم، وصنعوا خصومًا وهميين، وقدموا شهادات زور، والعجيب أن اللجان كانت تصفق لهم، والدب الذي من المفترض أن يحمي الغابة استأثر أن يغضّ الطرف عن كل ما يدور.
وبدأت العصابة تتقدم واحدا تلو الآخر:
الأرنب يقدم شهادته الملفقة.
الغراب يصوّر الحقائق كأنها كوارث.
الضبع يصرخ: "لقد رأيت بعيني!"
الحية تهمس في أذن المسؤول: "إنهم ضدك… نحن فقط من يحميك."
وحيوانات الغابة تراقب بصمت… صمت يشبه الخوف أكثر مما يشبه الحكمة.
وفي كل مملكة، هناك أسد صامت لا يتدخل إلا عند الضرورة؛ أسد يؤمن بأن القانون هو الروح التي تحفظ توازن الحياة.
ولما بلغته الأخبار، قال بهدوء:
"من يعبث بالعدل… سيقع في المصيدة التي نصبها لغيره."
وبدأ يكشف الخيوط:
شهادة الأرنب مليئة بالثغرات.
روايات الثعلب متناقضة.
الغراب يردد كلامًا بلا دليل.
الضبع يتاجر بالمشاكل ليكون المستفيد.
الحية تنشر سمومها في كل مكان.
أما اللجان، فظهر أنها لا ترى ولا تسمع ولا تحقق كان لها مأرب وغاية…تؤازر فقط من يملك الهمس الأقوى لو كان ظلالًا.
وفي نهاية القصةوقف الأسد أمام الجميع وقال: "القانون ليس لعبة، ومن يضرب به عرض الحائط… سيسقط الحائط عليه."
فسقطت العصابة واحدة تلو الأخرى:
الثعلب هرب.
الغراب صمت.
الأرنب اختفى.
الضبع فقد جمهوره.
والحية… انقلب سمها عليها.
وتم استبدال اللجان بلجان يُقال إنها تبصر وتدقق وتحقق على حد قولهم.
أما المسؤول الذي وقف مع الباطل؟
فلم يعد يُسمح له بتقرير مصير الغابة فالمملكة تُدار بالعدل… لا بالخوف.
فالعبرة حين يجتمع الزور، واللجان المأجورة، والمسؤول الذي يخذل الحقيقة… تتحول الغابة إلى ساحة فوضى.
لكن الحق، ولو تأخر، لا يُهزم.
والقانون، ولو غاب صوته، ، يعود ويصحو كما صحا الأسد..