نيروز الإخبارية : نيروز الاخبارية
بقلم الكاتب والمحلل الأمني الدكتور : بشير الدعجة
أبدى جلالة الملك استياءه من بعض مستخدمي الاعلام الرقمي ( منصات التواصل الاجتماعي ) و للمرة الثانية خلال أقل من شهر .... فالمضامين والرسائل الاعلامية التي يتم تداولها عبر منصات هذا الاعلام الرقمي وخاصة الاشاعات لم يسلم منها جلالة الملك وأسرته الصغيره وزادت عن حدها واصبحت مقلقلة لنا جميعا ، عدا مساسها بمعظم موظفي الصف الاول في الدوائر الحكومية حيث وصلت الى مستوى من الاذى لم يعد السكوت عليها بالرغم من الاجراءات القانونية والادارية الصارمة التي توعدت مطلقيها ، الا انهم استمروا باطلاقها سواء من داخل حدود الوطن أو من قبل فئة لا يتعدى عددهم اصابع اليد الواحدة انسلخوا عن وطنهم وغردوا خارج سرب الوطن لتحقيق أهداف خاصة رخيصة تمس الوطن الذي رضعوا من أثدائه واساءوا الى رموزه الوطنية ذات الثوابت والمسلمات التي حافظت على الدولة الاردنية من الزلازل والبراكين التي عصفت بالمنطقة منذ قرن تقريبا وابحرت بسفينتنا الى بر الآمان عبر أمواج متلاطمة أغرقت معظم دول الأقليم.
وقد كنت سابقا قد حللت مقالة جلالة الملك حول منصات التواصل الاجتماعي وأشرت الى بعض الأسباب التي أدت الى ما تناوله جلالة الملك وطرحت بعض الحلول السريعة للسيطرة على الاعلام الرقمي ( أرجو الرجوع الى تحليلي للمقالة المنشورة عبر وسائل الاعلام الرقمي والالكتروني والورقي) ، الا أنه للأسف لم تحرك غالبية الجهات المعنية بالاعلام الرسمي أي ساكن للتعامل مع اشارات جلالة الملك واستياءه من الرسائل الاعلامية التي تبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي ( الاعلام الرقمي ) وكأن الأمر لا يعنيها ، مما دفع جلالة الملك وفي أقل من شهر من مقالته السابقة أن يكرر استياءه من رسائل الاعلام الرقمي التي عجزت بعض قنوات الاعلام الرسمي المعني من مواجهتها بالاساليب الاعلامية الحديثة وحرق مضامينها الاعلامية بالحجج والبراهين الدامغة وتعرية مطلقيها واهدافهم الخسيسة وتوجيه الرأي العام الى عدم الالتفات الى هذه المضامين الاعلامية ، وشاهدي على عجز وضعف الاعلام الرسمي المعني في التعامل مع الاشاعات واحباطها ، ما ذهب اليه جلالة الملك الى النية تتجه الى تعيين مستشار اعلامي او ناطق اعلامي في الديوان الملكي العامر للرد والتعامل مع هذه الاشاعات الغريبة والدخيلة على المنظومة الاخلاقية والسلوكية للمواطن الاردني.
اذا تبلورت فكرة الناطق الإعلامي واصبحت واقعا لابد أن أشير الى بعض المفاصل الهامة بعمل الناطق الاعلامي خاصة وان لي تجربة طويلة في هذا العمل السهل الممتنع ( الناطق الاعلامي ) وخضت معارك اعلامية مع تنظيم القاعدة وكذلك تمرد التنظيمات الارهابية في مراكز الاصلاح والتأهيل وازمة الثلوج وبعض الاحتجاجات والمشكلات العشائرية وغيرها من المعارك الاخرى ... وان اذكر من أوكلت اليه مهمة اختيار الناطق الاعلامي المنتظر سواء كان صاحب قرار الاختيار فردا او لجنة مشكلة لهذه الغاية بعدة اعتبارات للوصول الى ناطقا اعلاميا قويا يستطيع خلال فترة زمنية لا تتعدى اشهرها اصابع اليد الواحدة من القضاء على الاشاعات المشبوهة التي تمس جلالة الملك واسرته الصغيرة والكبيرة وهي ليست بالمهمة الصعبة ولكن تحتاج الى ناطق اعلامي متمرس مسلح بالعلم والخبرة المهنية والافكار الابداعية.
ابرز سمات الناطق الاعلامي في هذا الموقع ان يكون من رحم الشعب ... قريبا منهم وليس من الطبقة المخملية التي لاتعرف محافظات المملكة فكيف قراها ولا تعرف همومهم واحزانهم وافراحهم ، فالناطق الاعلامي من هذه الطبقة لن يتقبله المواطن ولن يثق بأي بيان صحفي يصدره ، فالمصداقية وجسور الثقة معدومة ، وما حراك الشارع الاسبوعي على الدوار الرابع الا شاهدي على ذلك... فهذه الشخصية الاعلامية لن تستطيع التأثير والاقناع على الشريحة المستهدفة وهي عامة الشعب فهنالك تنافر من قبل الشعب للتعامل مع شخصية اعلامية مخملية بل هو مرفوض من وجهة نظرهم لاسباب يعرفها الجميع ولا داعي لتوضيحها.
السمة الأخرى التي بجب الالتفات لها والتوقف عندها كثيرا هي ان الناطق الاعلامي لا يشترط أن يكون صحفيا أو اعلاميا محترفا وجالس خلف مكتبه للتعامل مع الاشاعات ومطلقيها ... بل بحاجة الى مهندس ومخطط اعلامي ذو افكار ابداعية، لديه المام كاف بالفنون الصحفية ، يدرس الموضوع من جميع جوانبه ويضع خططه لتنفيذها وما وسائل الاعلام والاعلاميين الا جزء هام من تنفيذ الخطط الموضوعة وسندا قويا لتوصيل المضامين والرسائل الاعلامية عبرهم الى الفئات المستهدفة واكبر هذه الفئات عامة الشعب البسيط فالمثقف والمتعلم يفرق بين الغث والسمين بمضامين الاشاعات.
الناطق الاعلامي أيا كان موقعه يجب ان يتمتع بكريزما قوية وحضور قوي أثناء التعامل مع وسائل الاعلام والاعلاميين ، صاحب شخصية اقناعية وحجج واهية ذات تأثير عالي يقلب الموازين بظهوره الاعلامي ، صاحب قرار ، قيادي قادر على اتخاذ القرار باحلك المواقف الاعلامية وأصعبها، فكثير - للأسف - هنالك ناطقون اعلاميون لا ينطقون وليس لديهم القوة والشخصية لمواجهة وسائل الاعلام والاعلاميين ولا يستطيع عقد مؤتمر صحفي أو الظهور على وسيلة اعلامية مرئية مباشرة لانه لايملك الكاريزما وشخصية الناطق الاعلامي وبذلك يضعف مؤسسته بادائه ويعكس صورة ذهنية سلبية عنها (ويزيد الطين بلة) والشواهد كثر .
من سمات الناطق الاعلامي قدرته وحنكته ومهاراته وفنونه الاتصالية فيجب ان تتوافر فيه لغة جسد قوية للتأثير على متلقي رسائله الاعلامية .... ومهارات الاتصال والتواصل ودبلوماسية عالية مع المواطنيين ووسائل الاعلام لتقصير المسافات بينهم وازالة كافة الحواجز التي تعيق عمله وبناء لبنات الثقة والمصداقية بينهم مما يسهل عملية التواصل والاتصال وتقبل رسائله الاعلامية ...
عمل الناطق الاعلامي على مدار الساعة لا ينتهي بنهاية دوام زمني معين ... فالاشاعة ليس لها وقت وساعات محددة ...لذلك يجب أن يكون مستعدا للتعامل مع أي معلومة اعلامية تشوبها الشوائب في أي وقت من الليل والنهار يساعده في ذلك مطبخ عمليات ، يتابع يراقب الاعلام الرقمي ، يلتقط الرسائل الاعلامية المشبوهة ، يتم دراستها معلوماتيا واعلاميا ويجهز الرد المناسب لها ، وهذا الاجراء لا يتم في اغلب الاحيان بمعزل عن بعض المؤسسات ذات العلاقة التي تشارك في تقديم المعلومات الصحيحة واللازمة حول الرسائل المشبوهة ، فالعمل يكون على مدار الساعة مع فريق كامل لا يكل ولا يتعب.
الاشاعة تحتاج الى حس عالي للتعامل معها ومعرفة اهدافها واساليبها وابعادها ، لأن اهدافها تخريبية تفتيتية للمجتمع من الداخل تمهيدا لانهياره ، لذلك لابد أن يتوفر سمة الحس الأمني العالي لدى الناطق الاعلامي للتعامل مع الاشاعات وتدميرها وتعريتها قبل استفحالها ولن تجد ذلك الا لدى شخص ربى وترعرع بأحضان المؤسسات الامنية التي تتعامل على مدار الساعة مع الاشاعات وترصدها وتحللها واحيانا تتعامل معها .
اضافة الى الصفات السابقة يجب على الناطق الاعلامي ان يتمتع بالتفكير الابداعي والخروج خارج الروتين ( الصندوق ) للبحث عن الحلول لمواجهة الاشاعة والتفكير للقضاء عليها قبل مولدها وهذا صعب جدا تجده عند اي شخص ... فالناطق الاعلامي يستبق الاشاعة من خلال فهمه للمستجدات والاحداث التي تدور حولة ، والقيام بعمل اعلامي استباقي للاعلان عبر وسائل الاعلام عن امر او موضوع معين قبل ان تلتف حوله خيوط الاشاعة، لذلك على الناطق الاعلامي عليه معرفة كل صغيرة وكبيرة في مؤسسته ايجابية ام سلبية ويعالجها بقوالب اعلامية تخدم سياسة واهداف مؤسسته .
الامر في غاية الاهمية وعلى من اوكلت له المهمة في اختيار الناطق الاعلامي للديوان الملكي العامر ان يفكر مليا بما قدمته من طرح وان لا يكون عشوائيا وارضاء للمعارف والاصدقاء والانسباء ، او لمصاح معينة ، وان يضعوا اسس ومعايير للاختيار صحيحة لا تخرج في مجملها عما ذكرت ... فلدي قاعدة ذهبية دائما ارددها وأؤمن بها حتى النخاع الا وهي( ان الاعلامي ولاعب الرياضة والمطرب ) لا تنفع معهم واسطات الدنيا والدعم المعنوي والتغطية عليهم ... والسبب أنهم سيكتشفوا من قبل الجمهور مع اول عمل يقوموا به كلا حسب اختصاصه .
غير ذلك لن يستطيع اي ناطق اعلامي ان ينجح في عمله وسيكون مجرد موظف عادي لا بل سيساهم بضعفه بعكس الصورة الذهنية السلبية عن مؤسسته ، التي تنمو شيئا فشيئا يقابلها ضعف او جهل او عجز الناطق الاعلامي بالحلول الاعلامية المناسبة للسيطرة على كل مايثار سلبيا حول مؤسسته ولا يفكر بطرق ابداعية لتسويق مؤسسته ورموزها اعلاميا وكسب رضا المواطن واعادة جسور الثقة والمصداقية التي فقدت بسبب طاقم اعلامي ضعيف .... لننتظر ان غدا لناظره قريب.
# د. بشير الدعجة