نيروز الاخبارية: الأردن ربما يكون قد نجا ولو مؤقتا من المد التسونامي للإرهاب, وقد تكون سفينته قد ابتعدت قليلا, إلا أنها لم ترسو بعد معلنة النجاة من التهديدات التي أحاطت بها, حيث بات يواجه تحديات داخلية, واقليمية, ودولية أكبر في بعض الجوانب, وجعل حالنا السياسي والاجتماعي والأمني مفتوح الأفق وفي كل الاتجاهات, وعلى كل الاحتمالات.
ما زالت الكثير من الأسئلة المتعلقة بقوة
الأردن ومنعته معلقة, وبحاجة إلى اجابات محددة ودقيقة, وفي مقدمة هذه الأسئلة ذلك
السؤال المتعلق بالخطط والاستراتيجيات الأمنية, فهل ما زالت الاستراتيجيات الأمنية
محور اهتمامنا, وهل لسياساتنا الأمنية آفاق استراتيجية, أم أنها تسير في طرق
عشوائية ليس لها نهايات محددة, وهل نحن بحاجة إلى توسيع مرتكزات الخطط الأمنية في
أبعادها المحلية والاقليمية والدولية, فمؤشرات المخاطر الأمنية موجودة ولم تنتهي
بعد, وما زالت حدودنا الشمالية والشرقية مهددة, وما زالت المهددات الأمنية
الداخلية موجودة, وفي تصاعد سلبي في اتجاهات, وتراجع ايجابي بسيط في اتجاهات أخرى,
وما زال الكثير من الظواهر المتعلقة براحة الانسان وسلامته تراوح مكانها مشكلة في
بعض جوانبها تهديدا واضحا لهيبة الدولة ومكانتها في نفوس المواطنين, كالمخدرات,
والجريمة, والتهريب, والفساد الإداري والمالي, والانفلات السلوكي المصاحب لبعض
الظواهر المجتمعية.
وهنا تبدو الاجابة على السؤال التالي في غاية
الأهمية, هل لدينا استراتيجيات أمنية بمحددات واضحة, وأهداف محددة ترتبط بالتحليل
والرصد, واستشعار الخطر, وتشخيص الواقع, وبناء التوقعات السليمة في المجالات
الأمنية, وهل رسمنا الطرق بشكل دقيق, وحددنا المسارات للوصول إلى هذه الأهداف, أم
ما زلنا نعمل وفق الفعل وردة الفعل, بحيث ننتظر وقوع الخطر, ثم نبدأ بحشد طاقاتنا
وإمكاناتنا للتصدي لها, وهل نركن لبعض الوقت عندما تخف حدة التهديدات الداخلية
والخارجية, لنعاود النهوض مجددا في اجراءاتنا الدفاعية مع كل خطر يتهددنا, وهل لدينا
استراتيجيات محددة تجاه أية تحولات محتملة, أو محاولات يائسة, خاصة وأن المنطقة
كلها, والأردن تحديدا مقبلة على تحولات استراتيجية عميقة, وهل لدينا تصورات واضحة
للعلاقات مع العالم, والدول العربية التي بدأت تعاني من التفكك والعزلة, وراحت كل
دولة تواجه المهددات والمخاطر الأمنية بصورة منفردة, مما أوقعها تحت جشع وظلم الدول
الطامعة في خيراتها ومواردها, وما اندفاع بعض الدول العربية لإقامة تحالفات مهينة
وغير متكافئة مع دول أجنبية طامعة إلا انعكاس لما آلت اليه حالنا العربية, حيث
باتت كل دولة تبحث عن ملاذات آمنة كالغريق الذي يتعلق بخيط أو قشة, وهي في حقيقتها
ما هي إلا أوهام تزيدها ضعفا فوق ضعف, ووهنا على وهن.
نحن بأمس الحاجة اليوم وأكثر من أي وقت مضى
إلى أن نتجه في مساراتنا الاستراتيجية الأمنية نحو تعزيز قيم المواطنة, وقيم
التحول الديمقراطي, وكيفية العمل على تحصين جبهتنا الداخلية للحفاظ على الوحدة
الوطنية ومكتسبات الوطن, وإرساء قيم العدالة والمساواة, وتكافؤ الفرص, والعدالة في
توزيع المكتسبات, وعدم تحكم فئة قليلة معينة بمقدرات البلد لمنعها من ممارسة
الفساد والتغول على حقوق المواطنين, والاستفادة من الفرص والامكانيات المتاحة,
والاعتماد على الذات ما أمكن, والحد من الظواهر الأمنية المرتبطة بالجريمة
والحوادث, وما يقلق راحة المواطنين ويعرض سلامتهم وأمنهم للخطر, وهي الاصلاحات
التي طالما دعت ووجهت اليها قيادة البلد من خلال الخطابات الملكية ولأوراق
النقاشية.
إن منعة الأردن وقوته يتطلب أجهزة أمنية قوية
ومنيعة ومحصنة, أساسها الفكر والعلم والمعرفة, أجهزة ترتقي بأدائها, وتعمل على
سيادة القانون, وتقيم علاقات تشاركية مع المواطنين ومؤسسات الدولة في المنظومة
الأمنية, وتعمل على تطوير ذاتها بمهنية وحرفية عالية, وترتقي بأساليب وآليات
ووسائل مكافحة الجريمة والمظاهر الأمنية, وتعزز من أداء منتسبيها, ورفع جاهزيتها
لتكون قادرة على أداء دورها المطلوب على نحو أفضل.
كما أن منعة الأردن وقوته يتطلب مؤسسات وطنية
تدعم ركائز المواطنة, وتحارب الفساد, وتعزز قيم المساءلة والشفافية, وتحترم حقوق
المواطنين, وتقوي وتشيع ثقافة العمل الجاد والانتاج, وتحارب الواسطة والمحسوبية
والجهوية.