كلنا يعرف عندما يتقاعد الجنرالات العسكريون يذهبون بصمت إلى بيوتهم ، فأكثر ميزة يتميز بها العسكر هي الطاعة ، وفي بلادنا يحترم القادة رتبهم ويغيبون عن الإعلام الذي يتعطش لسماع رواية الرجال الأقوياء ومن كانوا على رأس المؤسسة الأقوى في البلاد بعد الملك .
مرّ الكثير من قادة الجيش وكانوا في مراحل مفصلية من تاريخ الأردن وخاضوا مع جيشه الحروب وربما الأغلبية لم يكتبوا حتى مذكراتهم ، بإستثناء صادق الشرع ومشهور حديثة الجازي وعلي أبو نوار ، حتى أن حابس المجالي الذي تسلّم قيادة الجيش مرتان غضب يوما على من إقترح عليه أن يكتب مذكراته فردّ : "مذكرات العسكري هنا " وضرب على صدره .
المؤسسة العسكرية الأردنية رسخت تقاليد ثابتة في نفوس من خدموا بها ، بأن هناك فرق بين الجندي والسياسي ولا يجتمعان وهما على رأس الخدمة ، فالإخلاص للبندقية والتحضير للعدو هو مهمة العسكري وهو يتبع السياسي وقرارته ولا يزاحمه على دوره ، لذا إتسم الجيش العربي بالقوة والتوحد والإنضباط والإحترافية للدفاع عن هوية البلاد ولم ينجر للإنقسامات العرقية والهويات الفرعية مثل الجيوش العربية الأخرى .
المسؤول في بلادنا هو مسؤول وطن ، وأنما أتى ومن أية قرية شرب فهو ابن وطن ، وليس تابعا لهوية أو محافظة أو إقليم أو أقلية ، والأصل يحكم بالعدل والمساواه لا بالدم والقرابة والأصل ..، وينحاز لعنوان الوطن وليس لعشيرة أو قبيلة ، والإستقواء بالقانون ودولة المؤسسات وليس بمهرجانات التأييد و"الدعم " العشائري، فهذا عرف إنتخابات وليس رجال دولة .
القائد يشتاق بعد التقاعد لجنده ، رغم أنه لا يملك إلا ذكرياته وتعبه في الميادين ، وقد رأينا قادة الجيش الذين كانت تتزاحم الرتب على أكتافهم، وتهابهم الألوية والكتائب يجلسون بهدوء وحكمة بعد التقاعد راضيين بما قدّموا ، وظلّت بطولاتهم ووقائع معاركهم وتفاصيل عملهم مع الجنود قصصا تروى في المجالس ، أمثال زيد بن شاكر وفتحي أبو طالب وعبد الحافظ الكعابنة وغيرهم .
في بلادنا يلتقي الناس ببعضها ويتزاورون فالبلد "قرية " وتعجّ المضافات بالقصص والسوالف وتحكى سير الرجال ، والناس لا تجتمع على خطأ ولا أحد يخطف الحقيقة ، والشمس أيضا لا تتغطى "بغربال " ، والتاريخ وحده من ينصف الرجال .