نظلم الشيخ والمصلح الاجتماعي الراحل بركات الزهير اذا اقتصرنا ببحث تراثه الانساني على القضاء العشائري وروافده ونتائجه فقط ... قليل من يعرف أن الأردنيين كانوا يتفائلون ببيت ابن زهير طالما كان ديوانا للصلح في قضايا الدم والعرض المستعصية ... في حال نجحت الوساطات في اجراء صلح عشائري على قضية قتل مع سبق الاصرار والترصد .. أو قضية عرض لا تغسل الا بالدم .. كان ذوي الجاني يهرعون الى النقيرة لاستعارة بيت الشعر الكبير الخاص بمحمد الزهير وابنه بركات من بعده ... ولم يرفض ابن زهير الأب والإبن اعارة بيته الممدود والمرتفع على ستة أو سبعة اعمدة (وسّط مفردها واسط ) . هذا إذا لم يلبس عباءته مع جمع من الجبور ويتجه الى بيت الصلح ليزيد الملح أملاح ... اعتاد الأردنيون الذين استظلوا ببيت ابن زهير في صلحاتهم أن يطلبوا من أولياء الدم التنازل عن بعض من الديّة أو الغرامة اكراما للبيت وصاحبه .. وغالبا ما يجري هذا التنازل بعد انفضاض جلسة الصلح واستعداد ذوي الجاني لطي البيت واعادته الى ابن زهير في النقيرة اياها . ولم يسبق لولي دم أن يسمح بطي البيت دون اكرام أصحابه ... حدثني سليمان الفرهود الزيودي ان الأغنام التي كان يرعاها أصيبت بعارض من المرض كاد ان يقضي عليها ... تلفّت الرجل ولم يكن بيت ابن زهير بعيدا فقاد الحمار والمرياع وتاحى للغنم ( حثها على اللحاق به ) واقتحم بها بيت ابن زهير من الوسط ... أقسم الرجل ان أحدا لم يعترضه وهو يصرخ بصوته يتاحي للغنم .. بل ان النساء والأولاد فكوا رواق البيت حتى دخلت الغنم وخرجت من تحت شقاق البيت .. تعافت أغنام سليمان الفرهود بعد أن تغير عليها الماء والهواء والمرعى ..ولكنه بقي يقص الحكاية الجميلة في أغلب المجالس حتى حفظناها .. ولد بركات محمد الزهير في بلدة النقيرة عام 1938 . شب في بيت والده الذي كان زعيما وركنا من اركان القضاء العشائري في المملكة . وكانت المملكة تعاني من الاستعمار البريطاني الذي يحاول ما استطاع أن يسيطر على الأرض والإنسان فيها ... حينما شب بركات عن الطوق كان والده يتصدى مع آخرين لإفشال انضمام الأردن الى حلف بغداد وقد نجح . كسب ( راعي العصلا وهذه نخوته ) محمد الزهير وابنه بركات شرف عداوة الجنرال جون باجيت كلوب قائد الشرطة والدرك ( الباشا ابو حنيك كما يسميه الأردنيون ) .. وفي ذلك الزمن كان رضا الباشا أبو حنيك مكسباً لطلاب الحاجات ابتداء من الكوتا وانتهاء بالتشغيل .. بعد عام من هيزعة حلف بغداد قام الملك الباني المغفور له الحسين ابن طلال بانهاء خدمات كلوب باشا .. بعد 26 عاما من الخيالة على البلد ملط كما وصف الراحل فلاح المدادحه وهو ينهي حواراً مع ابو حنيك في رئاسة الوزراء صبيحة اتخاذ القرار .. طار أبو حنيك وبقي محمد الزهير وأولاده على تراب أرضهم مثل أشجارها التي تشيخ وتموت وهي واقفة .. عاصر بركات الزهير تطور المملكة الأولى وبناء المملكة الثالثة وصمود المملكة الرابعة . وهو الوحيد المسجل كقاضٍ عشائري صدرت به إرادة ملكية، من بين ثلاثة قضاة عشائريين في المملكة... وقد تفهم تطور الحياة الأردنية في المدن والقرى التي أصبحت مشروع مدن .. تصدّى للمبالغة في طقوس الجلوة التي تحدث بعد جريمة قتل . انتقد المزاجية في التعامل مع بعض الإجرءات . حيث ان الجلوة يجب ان تكون جزاء فردياً . إلا اذا كان للقاتل شركاء في الجريمة .. من غير المقبول أن يقوم ابو المغدور بتسمية عشرين أو ثلاثين اسما أو اسرة يتم اجلائهم .. أوضح انه ضد جلوة النساء والأطفال والمرضى والموظفين وطلاب الجامعات والمدارس . التي ينفذها بعض الحكام الاداريين بمزاجية .. طالب بمؤتمر عام للوجهاء وشيوخ العشائر والمعنيين لتقنين الجلوة واصدارها بتشريع قانوني ( عمون 12/11/2014) ... انتقل بركات الزهير الى رحمة الله ولم تزل الجلوة تخوض الماء كلما حدثت جريمة تستدعيها ... ولكنه ترك لمجتمعه ارثا انسانيا في التسامح واصلاح ذات البين وايصال الحقوق الى اصحابها ... وداعا يا راعي الفال الطيب.