وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأيّ أرض تموت…
فالرحيل عن الدنيا سِنّة حياة لا بدّ منها لنا جميعاً، قصر أو طال الزمن، وكلّ مصيبة تبدأ صغيرة وتكبر، إلاّ الموت الذي يحمل العكس، فيبدأ الحزن معه كبيراً، ولكنّه يصغر مع أيام العُمر الآتية، إن شاء الله.
وسِنة الموت أن يدفن الإبن إباه، ولكنّ أن يدفن أب إبنه، فهذا هو الإختبار الأصعب الذي قد يتعرّض له أيّ شخص، ولنا من سيّدنا وحبيبنا، أعظم الخلق محمد صلوات الله عليه وسلامه، عِظة تاريخية حين رحل ولده، فقال: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون”.
لسان حالك يا حبيبنا، وأخانا، وصديقنا معروف البخيت، يقول ما قاله النبيّ الكريم في تلك اللحظات القاسية، فهو وقت صعب يلوذ معه المرء بالإيمان، وينصاع لرحلة الإختبار الأبدية من الحزن، وأنت الآن بعين دامعة، وقلب حزين، ولكنّك ترضى ولا تقول سوى: لاّ إله إلاّ الله وإنّا إليه راجعون.
سليمان، إبنك وإبننا، سبقنا إلى لقاء ربّه، وما يشفع له أمام خالقه أنّ حياته كانت رحلة طموح وإنجاز وإيمان وبرّ والدين ووطن، وفي لقاء ما أمام مئات الناس، وعشرات الكاميرات، قبل سنوات قليلة، كان يُقدّم رؤية الشباب الأردني واثقاً بنفسه، وبمستقبل بلاده، تماماً كأبيه، أنت، الذي سمّاه، وسمع منه أوّل صرخة حياة، وعلّمه أوّل حرف، وها أنت تودّعه اليوم، وتودعه عند خالقه، سبحانه وتعالى.
قلوبنا معك، يا أيّها الحبيب، الصديق، النقي، الذي خصّه الله بحزن الأنبياء، ويكفيك حبّ الناس، وشهادتهم كلّهم بنزاهتك وأخلاقك، وهذا ما وضعه الفقيد وشماً على جبينه، وفي يوم لا أنساه، في مقبرة سحاب: ضمّني الراحل الغالي سليمان عرار إلى صدره عند وداع إبنه بحنان، وقال: أنت دفنت أباك، وأنا أدفن إبني، فرددت عليه بالدمعة نفسها: ولكننا يا عمّي، كلّنا راحلون، وهم السابقون ونحن اللاحقون.
ولا يبقى سوى دعائي: اللهمّ اجعل من سليمان معروف البخيت بين عبادك الصالحين، أنبياء، وصحابة، وأولياء، وشهداء، وأتقياء، وأنقياء، وقدّيسين.